الصورة لقبر في دير “سان إيزيدُورُو دِيل كَامبُو” الواقع بإحدى محافظات إشبيلية. يروي شاهد القبر باختصار قصة امرأتين راحتا ضحية لعملية حرق علني. تمَّت عملية الحرق أمام متفرجين مستأنسين لعملية الحرق وإن جمعتهم بالضحيتين نفس الديانة ونفس الوطن. ليست حفلة حرق لموريسكيين. ولم تحدث في عهد الملكين الكاثوليكيين إيزابيل وفيرديناند. بل حدثت قبل ذلك بزمن طويل. لم يتردد اسم الضحيتين فقط على شاهد هذا القبر الذي جمع بقايا جثتيهما معاً في قبر واحد وإنما أطلق اسميهما أيضاً على اسم شارعين بإشبيلية: شارع “ليونور دابالوس” وشارع “أورَّاكا أوسوريو”. شكَّلت وفاتهما حلقة مثيرة من مجموع ما حُكي عن ملك قشتالة دون بيدرو الأول. لذلك سنعمل على سرد ظروف وأسباب عملية هذا الحرق الذي بدأ بشكل انفرادي ثم انتهى بشكل ثنائي، في سطور معدودات.
بعد إعلان وفاة الملك ألفونسو الحادي عشر. حدث صراع حول العرش بين ابنيه: دون بيدرو الأول الإبن الشرعي لألفونسو وهنري تراستامرا الإبن غير الشرعي لألفونسو مما أدى إلى نشوب حرب أهلية.
ناصَرَ العديد من نبلاء الأندلس الإبن غير الشرعي هنري، ومن بينهم دون ألونسو دي غوثمان الذي كان والياً على شلوقة (إحدى بلديات مقاطعة قادس). وهو ابن أوراكا أوثوريو التي تدور حولها أحداث هذه القصة.
انتهت الحرب الأهلية بانتصار دون بيدرو الذي هزم أخيه هنري تراستامارا في معركتي 1360 و1367 ووضع حداً لحياته.
وبعد انفراد دون بيدرو بالعرش وإنهاء الحرب الأهلية، تفرغ لمعاقبة كل النبلاء الذين وقفوا ضده. ومن بينهم والي شلوقة دون خوان ألونسو دي غوثمان الذي سارع بالهرب والإختفاء عن الأنظار. وأمام هربه، قام الملك دون بيدرو بإلقاء القبض على والدته أورَّاكا.
أعربت أوراكا عن براءتها. ورغم تصريحاتها التي تؤكد عدم تورطها في مساندة ابنها للمتوفي هنري تراستامارا، إلا أنها اتُّهِمت بالتآمر ضد الملك بيدرو وحُكِم عليها بالحرق حتى الموت ونُفذَ الحرق بالمكان المسمى حالياً “ألاميدا دي إيركوليس” والذي أصبح اليوم عبارة عن حديقة عمومية شاسعة تقع بقلب إشبيلية.
في سبتمبر لسنة 1367 ، اعتلت أوراكا منصة الحرق بهدوء ودون إبداء أية مقاومة. قام منفذ الإعدام بربطها بعناية إلى بؤرة المحرقة ثم أضرم النار. بدأت أوراكا حينها بالصراخ من شدة الألم و محاولة الحراك بجسمها لعلها تستطيع الهرب أو تخفيف ما طالها من عذاب. في تلك اللحظات هبَّت ريح عاتية حركت ملابسها بقوة إلى أن بدى جزء من جسمها دون أن تفقه لذلك من شدة الألم. فأخد المتفرجون بالصياح والسخرية والإستهزاء و الضحك مما شاهدوه من عري أوراكا. فاندفعت صَبِيَّة من وسط الحشود المتفرجة وقامت بتغطية جسم أوراكا ومعانقته قصد ستر عورتها وحجب النار عنها وتخفيف حدة ألمها. كانت الصبية خادمة أوراكا الوفية واسمها ليونور دابلوس. فانتهت عملية الحرق بضحيتين إذ توفيت السيدة والخادمة معاً ملتصقتين بعضاً ببعض.
حوَّل الوفاء الخادمة ليونور دابالوس لرمز للوفاء والتضحية. خُلد اسم السيدة والخادمة بإشبيلية إذ أُطلق اسمهما على شارعين بإشبيلية. ودُفن رمادهما بقبر واحد.