مقامة العيد لإبن مرابع الأزدى

مقامة العيد لإبن مرابع الأزدى

فى عيد الأضحى كان المسلمون من كل الطبقات الإجتماعية يحتفلون بهذه المناسبة بذبح الأضاحى، وقد كان هذا الأمر يمثل كثيرًا من الأعباء المالية لرب الأسرة خاصة فى الطبقات الدنيا الذى كان يجب عليه أن يشترى لزوجته وأولاده ملابس جديدة وأن يزيد من كميات الطعام والشراب بالإضافة إلى أعباء الحياة الأخرى.

فيقابلنا أديب قروى فى النصف الأول من القرن الثامن الهجرى الرابع عشر الميلادى وهو ابن المرابع الأزدى فى مقامة العيد يوجه رسالة إلى حاكم مالقة أبى سعيد بن نصر بهدف الحصول على خروف لعيد الأضحى، فيحكى لنا فى اسلوب طريف إلحاح زوجته فى الحصول على مطالب هذا العيد وتعطينا المقامة التى ذكرها لسان الدين ابن الخطيب فى كتابه الإحاطة فى أخبار غرناطة صورة من صور الإحتفالات بالأعياد فى الوسط الشعبى الأندلسى فى عهد بنى نصر.

 

وإليكم مقامة العيد لإبن المرابع عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الأزدى من أهل بلش وكان يكنى أبا محمد، والتى خاطب بها الرئيس أبا سعيد بن نصر يستجدي أضحية‏:‏

يقول شاكر الأيادي وذاكر فخر كل نادي وناشر غرر الغرر لعاكف والبادي والرايح والغادي إسمعوا مني حديثًا

تلذه الأسماع ويستطرفه الاستماع.‏

ويشهد بحسه الإجماع‏.‏

ويجب عليه الاجتماع.

وهو من الأحاديث التي لم تتفق إلا لمثلي ولا ذكرت عن أحد قبلي‏.‏

وذلك يا معشر الألبا والخلصاء الأحبا‏.‏

أني دخلت في هذه الأيام داري‏.‏

في بعض أدواري لأقضي من أخذ الغذاء أوطاري‏.‏

على حسب أطواري‏.‏

فقالت لي ربة البيت لم جئت‏.‏

وبما أتيت‏.‏

قلت جيت لكذا كذا فهات الغدا فقالت لا غذا لك عندي اليوم‏.‏

ولأودى بك الصوم‏.‏

حتى تسل الاستخارة وتفعل كما فعل زوج الجارة طيب الله نجاره‏.‏

وملأ بالأرزاق وجاره‏.‏

قلت وما فعل قريني‏.‏

وأرني من العلامة ما أحببت أن تريني‏.‏

قالت إنه فكر في العيد‏.‏

ونظر في أسباب التعييد‏.‏

وفعل في ذلك ولم تنظر إليه نظرة بعين اهتبالك‏.‏

وعيد الأضحى في اليد‏.‏

والنظر فى شراء الأضحية اليوم أوفق من الغد‏.‏

قلت صدقت وبالحق نطقت بارك الله فيك وشكر جميل تحفيك‏.‏

فلقد نبهت بعلك لإقامة السنة ورفعت عنه من الغفلة منة‏.‏

والآن أسير لأبحث عما ذكرت‏.‏

وأنظر في إحضار ما إليه أشرت ويتأتى ذلك إن شاء الله بسعدك‏.‏

وتنالين فيه من بلوغ الأمر غاية قصدك‏.‏

والجد ليس من الهزل والأضحية للمرأة وللرجل الغزل‏.‏

قالت دعني من الخرافات‏.‏

وأخبار الزرافات‏.‏

فإنك حلو اللسان قليل الإحسان‏.‏

اتخذت الغربة صحبتك إلى ساسان‏.‏

فتهاونت بالنسا وأسأت فيمن أسا‏.‏

وعودت أكل خبزك في غير منديل‏.‏

وإيقاد الفتيل دون قنديل.

وسكنى الخان وعدم ارتفاع الدخان.

فما تقيم موسما ولا تعرف له ميسما‏.‏

وأخذت معي في ذلك بطويل وعريض وكلانا في طرفي نقيض إلى أن قلت لها إزاركوردائي فقد تفاقم بك أمر دائي وما أظنك إلا بعض أعدائي

قالت مالك والإزار شط بك المزار لعلك تريد إهانه في الأضحية والأبزار أخرج عني بيا مقيت لا عمرت معك ولا بقيت أو عدمت الذين وأخذ الورق بالعين‏. يلزمني صوم سنة لا أغفيت معك سنة إلا إن رجعت بمثل ما رجع به زوج جارتي ورأى لك الربح في تجارتي‏.‏

فقمت عنها وقد لوت رأسها وولولت وابتدرت وهرولت وجالت في العتاب وصولت وضمت بنتها وولدها وقامت باللجج والانتصار بالحجج أودها فلم يسعني إلا أن عدوت أطوف السكك والشوارع وأبارد لما غدوت بسبيله وأسارع وأجوب الآفاق وأسل الرفاق وأخترق الأسواق وأقتحم زريبة بعد زريبة وأختبر منها البعيدة والقريبة فما استرخصته استنقصته وما استغليته استعليته وما وافق غرضي اعترضني دونه عدم عرضي حتى انقضى ثلثا يومي وقد عييت بدوراني وهمومي وأنا لم أتحصل من الابتياع على فايدة ولا عادت علي فيه من قضاء الأرب عايدة فأومأت الإياب وأنا أجد من خوفها ما يجد صغار الغنم من الذئاب إلى أن مررت بقصاب يقصب في مجزره قد شد في وسطه مئزره وقصر أثوابه حتى كشف عن ساقيه وشمر عن ساعديه حتى أبدى مرفقيه وبين يديه عنز قد شد يديه في رقبته وهو يجذبه فيبرك ويجره فما يتحرك ويروم سيره فيرجع القهقرى ويعود إلى ورا والقصاب يشد على إزاره خيفة من فراره وهو يقول‏:‏ اقتله من جان باغ وشيطان طاغ ما أشده وما ألذه وما أصده وما أجده وما أكثره بشحم وما أطيبه بلحم الطلاق يلزمه إن كان عاين تيسًا مثله أو أضحية تشبهه قبله أضحية حفيلة ومنحة جليلة‏.‏

هنأ الله من رزقها وأخلف عليه رزقها‏.

فاقتحمت المزدحم أنظر مع من نظر وأختبر فيمن اختبر‏.‏

وأنا والله لا أعرف في التقليب والتخمين‏.‏

ولا أفرق بين العجف والسمين غير أني رأيت صورة دون البغل وفوق الحمار وهيكلا يخبرك عن صورة العمار فقلت للقصاب كم طلبك فيه على أن تمهل الثمن حتى أوفيه فقال ابغني فيه أجيرا وكن له الآن من الذبح مجيرا وخذه بما يرضى لأول التقضي‏.‏

قلت استمع الصوت ولا تخف الفوت‏.‏

قال ابتعه مني نسيه وخذه هدية قلت نعم فشق لي الضمير وعاكسني فيه بالنقير والقطمير‏.‏

قال تضمن لي فيه عشرين دينارًا أقبضها منك لانقضاء الحول دنيرًا دنيرًا‏.‏

قلت إن هذا لكثير فاسمح منه بإحاطة اليسير.

قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا أنقصك من هذا وما قلت لك سمسمة اللهم إن شئت السعة في الأجل فأقضي لك ذلك دون أجل فجلبني للابتياع منه الإنساء في الأمد‏.‏

وغلبني بذلك فلم أفتقر منه لرأى والد ولا ولد ولا أحوجت نفسي في ذلك لمشورة أحد وقلت قد اشتريته منك فضع البركة ليصح النجح في الحركة‏.‏

فقال فقيه بارك الله فيه قد بعته لك فاقبض متاعك وثبت ابتياعك‏.‏

وها هو في قبضك فاشدد وثاقه وهلم لنعقد عليك الوثاقة‏.‏

فانحدرت معه لدكان التوثيق وابتدرت من السعة إلى الضيق وأوثقني بالشادة تحت عقد وثيق وحملني من ركوب الدين ولحاق الشين في أوعر طريق‏.‏

ثم قال لي هذا تيسك فشأنك وإياه وما أظنك إلا تعصياه وأت بحمالين أربعة فإنك لا تقدر أن ترفعه ولا يتأتى لك أن يتبعك ولا أن تتبعه ولم يبق لك من الكلفة إلا أن يحصل في محلك فيكمل سرور أهلك‏.‏

وانطلقت للحمال وقلت هلم إلي وقم الآن بين يدي حتى انتهينا إلى مجزرة القصاب والعنز يطلب فلا يصاب فقلت أين التيس يا أبا أويس‏.‏

قال إنه قد فر ولا أعلم حيث استقر‏.‏

قلت أتضيع علي مالي لتخيب آمالي والله لا يحزنك بالعصا كمن عصا ولا رفعتك إلى الحكام تجري عليك منهم الأحكام‏.‏

قال مالي علم به ولا بمنقلبه لعله فر لأمه وأبيه وصاحبته وبنيه فعليك بالبريح‏.‏

فاتجهت أنادي بالأسواق وجيران الزقاق من ثقف لي تيسًا فله البشارة بعد ما أتى بالأمارة وإذا برجل قد خرج من دهليز وله هدير هزيز وهو يقول من صاحب العنز المشوم لا عدم به الشوم إن وقعت عليه عيني يرتفع الكلام بينه وبيني‏.‏

قلت أنا صاحبه فما الذي دهاك مني أو بلغك عني‏.‏

قال إن عنزك حين شرد خرج مثل الأسد وأوقع الرهج في البلد وأضر بكل أحد ودخل في دهليز الفخارة فقام فيه وقعد وكان العمل فيه مطبوخًا ونيا فلم يترك منه شيا ومنه كانت معيشتي وبه استقامت عيشتي وأنت ضامن مالي فارتفع معي إلى الوالي والعنز مع هذا يدور وسط الجمهور ويكر كرة العفريت المزجور ويأتي بالكسر على ما بقي في الدهليز من الطواجن والقدور والخلق قد انحسروا للضجيج وكثر العياط والعجيج وأنت تعرف عفرطة الباعة وما يحوون من الوضاعة وأنا أحاول من أخذه ما أستطيع وأروم الإطاعة من غير مطيع والباعة قد أكسبته من الحماقة ما لم يكن لي به طاقة‏.‏

ورجل يقول المحتسب واعرف ما تكتسب وإلى من تنتسب فقد كثر عنده بك التشكي وصاحب الدهليز قبالته يبكي وقد وجد عنده عليك وجد الشكوى وأيقن أنك كسرت الدعوى وأمر بإحضارك وهو في انتظارك فشد وسطك واحفظ إبطك وإنك تقوم على من فتح باعه للحكم على البقعة ونصب لأرباب البراهين على أرباب الشواهين ورفع على طبقة ليملأ طبقة ثم أمسكني باليمين حتى أوصلني للأمين فقال لي أرسلت التيس للفساد كأنك في نعم الله من الحساد‏.‏

قلت إنه شرد ولم أدر حيث ورج قال ولم لا أخذت ميثاقه ولم تشدد وثاقه يا شرطى طرده واطرح يدك فيه وجرده‏.‏

قلت أتجردني الساعة ولست من الباعة قال لا بد من ذاك أو تضمن ما أفسده هناك‏.‏

قلت الضمان الضمان الأمان الأمان‏.‏

قال قد أمنت إن ضمنت وعليك الثقاف حتى يقع الإنصاف أو ضامن كاف فابتدر أحد إخواني بعض جيراني فأدى عني ما ظهر بالتقدير وآلت الحال للتكدير‏.‏

ثم أردت الانصراف بالتيس لا كان كيانه ولا كون مكانه وإذا بالشرطي قد دار حولي وقال لي كلف فعلي بأداء جعلي فقد عطلت من أجلك شغلي فلم يك عندي بما تكسر سورته ولا بما تطفي جمرته فاسترهن مئزري في بيته ليأخذ مايته‏.‏

وتوجهت لداري وقد تقدمت أخباري وقدمت بغباري وتغير صغاري وكباري والتيس على كاهل الحمال يرغو كالبعير ويزأر كالأسد إذا فصلت العير فقلت للحمال إنزله على مهل فهلال العيد قد استهل فحين طرحه في الأسطوان‏.‏ كر إلى العدوان وصرخ كالشيطان وهم أن يقفز الحيطان وعلا فوق الجدار وأقام الرهجة في الدار ولم تبق في الزقاق عجوز إلا وصلت لتراه وتسل عما اعتراه وتقول بكم اشتراه والأولاد قد دارت به وأرهقهم لهفه ودخل قلوبهم خوفه فابتدرت ربة البيت وقالت كيت وكيت لا خل ولا زيت ولا حي ولا ميت ولا موسم ولا عيد ولا قريب ولا بعيد سقت العفريت إلى المنزل ورجعت بمعزل ومن قال لك اشتره ما لم تره ومن قال لك سقه حتى توثقه ومتى تفرح زوجتك والعنز أضحيتك ومتى تطبخ القدور وولدك منه معذور وبأي قلب تأكل الشوية ولم تخلص لك فيه النية واقلة سعدها وأخلف وعدها والله لو كان العنز يخرج الكنز ما عمر لي دارًا ولا قرب لي جوارًا أخرج عني يا لكع فعل الله بك وصنع وما حبسك عن الكباش السمان والضأن الرفيعة الأثمان يا قليل التحصيل يا من لا يعرف الخياطة ولا التفصيل أدلك على كبش سمين واسع الصدر والجبين أكحل عجيب أقرن مثل كبش الخطيب يعبق من أوداكه كل طيب يغلب شحمه على لحمه ويسيل الودك من عظمه قد علف بالشعير ودبر عليه أحسن تدبير لا بالصغير ولا بالكبير تصلح منه الألوان ويستطرف شواه في كل أوان ويستحسن ثريده وقديده في سائر الأحيان.

قلت بيني لي قولك‏.‏

لأتعرف فعلك‏.‏

وأين توجد هذه الصفة يا قليلة المعرفة‏.‏

قالت عند مولانا وكهفنا ومأوانا الرييس الأعلى الشهاب الأجلى القمر الزاهر‏.‏

الملك الظاهر الذي أعز المسلمين بنعمته وأذل المشركين بنقمته‏.‏

 

انتهت مقامة العيد لإبن مرابع الأزدى الذى توفى فى سنة 750 هـ بالطاعون ودفن فى بلدته بلش رحمه الله

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

د. أحمد محمد الطوخى، مظاهر الحضارة فى الأندلس فى عصر بنى الأحمر

الوزير لسان الدين بن الخطيب، الإحاطة فى أخبار غرناطة الجزء الثالث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *