هل طارق بن زياد، القائد التاريخي المُلهم الذي درسنا سيرته وإنجازاته في الفصول الدراسية، وانبهرنا بحكمته وشجاعته وإقدامه، شخص حقيقي، أم كائن هلامي، أم فقط مجرد أسطورة لا حظ لها في أرض الواقع، ثم هل خطبته الشهيرة “العدو أمامكم والبحر وراءكم” هو من ألقاها بالفعل، أم نُسِبت إليه نسْبا.
تساؤلات كثيرة عادت لتظهر على خلفية مقال رأي دبجه، مؤخرا، الدكتور، عبد اللطيف اكنوش، بخصوص طارق بن زياد وأصله الأمازيغي، حيث شكك في وجود هذا القائد، وفي خطبته المعروفة، ما دفع هسبريس إلى الاتصال بالأكاديمي والمؤرخ، الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش، ليسلط الضوء على هذا السجال.
نسب طارق بن زياد
في بحث هسبريس عن حقيقة طارق بن زياد، وأصله ونسبه، اعتبر بوتشيش أن إشكالية نسب طارق بن زياد، والخطبة التي ألقاها أمام الجيش الذي فتح الأندلس، “من أكثر القضايا الملغزة التي يلفها الغموض واللبس، ويصعب فك شفراتها بسبب انعدام الوثائق والمصادر الأصلية”.
وقال بوتشيش إن الكتابة التاريخية في المغرب لم تكن قد تبلورت في القرن الأول الهجري، السابع الميلادي، وهو الفضاء الزمني الذي لاحت فيه شخصية طارق، وتم فيه انتقال الإسلام إلى أوروبا، “لذلك لا يمكن تقديم رأي في الموضوع دون التسلح بالحذر، وعدم المجازفة بتجاوز سقف الفرضيات، ونسبية الحقائق”.
واستوقفت المؤرخ المغربي ثلاث “تخريجات”، تقوم الأولى على أساس نسب طارق بن زياد الأمازيغي، بينما تقوم الثانية والثالثة على نسبه العربي والفارسي، في حين يسود الغموض والتناقض بعض المتون التاريخية التي تورد ما يثبت النسب العربي والأمازيغي والفارسي، دون حسم أو حتى ترجيح.
بوتشيش أورد أن فرضية النسب الفارسي تبدو ضعيفة، “لأن الباحثين الذين تبنوا هذا التخريج استندوا إلى نص ورد عند مؤرخ الأندلس، محمد بن موسى الرازي”، صاحب كتاب” الرايات”، وفي هذا الكتاب يشير إلى أن طارق بن زياد كان فارسيا همذانيا، وهو نص لم يسلم من أيدي التحريف.
أما التخريج الثاني الذي يؤكد على النسب العربي لطارق بن زياد، وفق الأكاديمي ذاته، فيتقاسمه عدد من المؤرخين، بدء من الاسم: فابن عذاري يسميه طارق بن زياد بن عبد الله، بينما يسميه ابن خلدون بطارق بن زياد الليثي. وينسبه بعض المؤرخين إلى قبيلة صدف من العرب القحطانية.
وبخصوص تخريج النسب الأمازيغي لطارق بن زياد، يضيف بوتشيش، فنجد وفرة من القرائن التي تجود بها المتون التاريخية، فابن عذاري وغيره من المؤرخين ينقلون عن النسابة المغربي صالح بن أبي صالح أنه من قبيلة نفزة الأمازيغية، وأن أباه زياد كان قد اعتنق الإسلام مع فتوحات عقبة بن نافع للمغرب الأقصى.(…)
قرائن عدم صحة الخطبة
فيما يخص محور صحة خطبة طارق بن زياد “البحر أمامكم والعدو وراءكم”، فبالنسبة لبوتشيش، هي خطبة لم يرد ذكرها في أمهات المصادر المعتمدة في الفتوحات الإسلامية، مثل “فتوح مصر والأندلس” لابن عبد الحكم، و”فتوح البلدان” للبلاذري و”الكامل في التاريخ” لابن الأثير، و”العبر” لابن خلدون.
وأشار المتحدث إلى أنه “من المفترض بالنسبة لجيش مكون في غالبيته من الأمازيغ، أن تكون الخطبة باللغة الأمازيغية، وليس بالعربية التي لم تكن آنذاك قد انتشرت بعد، وقد استغرق انتشارها زمنا طويلا”، مضيفا أن “أسلوب الخطبة وما فيها من سجع لم يكن من أساليب ذلك العصر”.
الأستاذ بجامعة مكناس اعتبر أن بعض مضامين الخطبة لا تتلاءم مع روح الإسلام، ورغبة الفاتحين في الاستشهاد، كما هو متداول في الخطب التي ألقيت في ساحات المعارك في الشام وفارس، والتي كانت تركز على التضحية والاستشهاد، وعلى الحوافز ذات الصلة بالعالم الأخروي.
ولفت بوتشيش إلى أن الخطبة تضمنت أخطاء تاريخية، حيث ورد فيها مصطلح “اليونان” إشارة للعدو، بينما الواقع يخالف ذلك، إذ إن العدو هو القوط أو الروم، وهي المصطلحات التي استعملها المؤرخون، كما تخلو الخطبة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على الجهاد والقتال، و”هذا ما يبعدها عن زمنيتها التي كانت مشحونة بالعواطف الدينية”.
المؤرخ المغربي يرجح أن طارق بن زياد قد يكون ألقى خطبة أو كلمة في صفوف المقاتلين، و”هذه من شيم القادة العسكريين لرفع معنويات جنودهم”، وقد يكون ألقاها باللغة الأمازبغية والعربية معا، باعتبار وجود أقلية من العرب معه، وكان له نصيب وافر من اللغة العربية، ولكنها بقيت رواية شفهية عابرة.
ومال بوتشيش إلى اعتبار الخطبة، في صيغتها المكتوبة كما وصلت إلينا، موضوعة، وأن توقيتها، الذي جاء متأخرا، “يعكس حقيقة أن واضعيها كانوا يحاولون من خلالها استنهاض همم المسلمين بالأندلس، بعد أن كانت حروب الاسترداد المسيحية تزيد خطورة، وأخذت أراضي الأندلس الإسلامية تتساقط تباعا”.
المتحدث أبرز أن النخبة الإسلامية بدأت تنبش في رموز القيادات الإسلامية، لتنسج حولها متخيلات نصية تعيد التوازن النفسي للمسلمين بتذكيرهم بأيام العزة الإسلامية، فـ”جاءت خطبة طارق بن زياد في سياق هذه المنحى الاستنهاضي”، مؤكدا أن “هذه اجتهادات تستند إلى القواعد الأكاديمية، بعيدا عن أي تعصب هوياتي، أو تقديس للرموز التاريخية”، بتعبير بوتشيش.
لا تحرفوا الحقائق التاريخية و تدعوا أن أغلب جنود طارق كانوا من الأمازيغ فهذا ليس صحيحا على الإطلاق بل أغلب جنود طارق كانت من جنود موسى ابن نصير العرب و معها الجنود الأمازيغ التي كانت أقل عدد طبعا ، أما بالنسبة لنسب طارق ابن زياد قد يكون عربي النسب ساكنا في مناطق البربر و هنا نعرف لغز خطبته بالغة العربية على رأس الجيش و يزول غبار الشك عن حقيقة تلك الخطبة لتصبح واقعا تاريخيا لا شك في فيه