لوحة “خروج أسرة أبوعبديل من الحمراء
اللوحة للرسام وعالم الآثار “مانويل غوميز مورينو غونزاليس”. أهم رسام غرناطي على الإطلاق خلال القرن التاسع عشر. شَغَل منصب رئيس إدارة الحمراء وكان أحد الباحثين في أرشيف غرناطة التاريخي. رسم مانويل غوميز هذه اللوحة سنة 1880 بحجم 250/ 370سم. تُحفظ اللوحة حاليًا بمتحف غرناطة للفنون الجميلة الواقع بالطابق الأول لقصر كارلوس الخامس بمجمع الحمراء السياحي. أبدى الرسام “غوميز مورينو” ذكاءًا في اختيار موضوع اللوحة؛ حيث شكّل أبو عبديل آخر ملوك الأندلس أحد الشخصيات المثيرة للإهتمام لدى مؤرخي وأدباء تلك الحقبة الزمنية.
تتواجد الشخصيات بقاعة البَرَكة بالحمراء. وهي قاعة معروفة ببدائعها الجبسية حيث نقش على بعضها ولأكثر من مرة اسم “البركة”. وبالضبط بجوار الباب المتصل بفناء الريحان أو كما يسمى أيضًا فناء قمارش. تتدلى من أعلى الباب ستارة حمراء تغطي الباب جزئيًا وتشد خصلة من شَعر الشمس التي تضيء بنورها تفاصيل المشهد. كلّ شيء في اللوحة يسرق الحزن من الحزن. عبر الباب يمكننا رؤية الخدم وهم يُحمِّلون الأمتعة وآخرون في انتظار انطلاق موكب الرحيل، يشكلون كتلة من الأحياء تحت حائط أصم ويقفون تحت صمته العميق و بياضه الرقيق يرفعون الأحزان والأمتعة قبل الإنثناء إلى الطريق.
العمود الوحيد الظاهر على الصورة لا ينتمي حقيقة لفناء قمارش وإنما للجزء المسمى المشور و يسهل تمييزه من خلال طبيعة التاج الذي يكلله. يرد المحللون الأمر لبعض الحرية التي انتهجها مانويل غوميز خلال عملية الرسم.
ينتظم الرسم في فضائين مختلفين. كما تم تقسيم الفضاء الأول لشقين. في أقصى الشمال، ترفع سيدة ذراعها في إحالة على تؤسفها على ما يحدث. ويظهر أبو عبديل من الخلف فقط معانقًا أحد الشخصيات. حيث عمل الرسام على إبدائه فقط من الخلف مبديًا ظهره للمتفرج على اللوحة لتفادي إظهار ملامح الحزن التي من البديهي أن تبدو على وجهه. ويوجد على يمينه ثلاثة نسوة حزينات.
تنشغل مريمة زوجة أبو عبديل بزرع الإطمئنان في قلب الطفل الصغير. تُطلق نظرات الولد الشريدة صوتا محزونا سابحا في أمواج القاعة. ولا أحد يشتمّ أسى تلك النظرات غيرها. وعلى يسارهما امرأة مستلقاة فوق سجادة قد عُبِثَ بها. سجادة متحركة، غير صامتة. وكأن طياتها استشعرت أن ذلك اليوم ليس كالأيام الفائتة. أحست ببرد المشهد فاهتزت ومالت وانثنت. تجلس فوقها امرأة تراقب المشهد وكل أطرافها تنم على أن ما يحدث حولها خلَّف في قلبها شتاء.
الكل يطهر بالحب ساعة الوداع. والحزن يسير في شرايين الوجوه والأطراف حيث الوداع الأبدي ولا لقاء!.
يختفي جمال الحيطان والمكان وتُمحى تعرّجات الزخارف ليتربع العنصر البشري قمة اللوحة. الحزن في المكان طنّ، وألم الوجوه حطّ وغطى على كل موجود.
تتناقض طلة عائشة الحرة مع كل المشهد إذ تبدو تعابيرها مختلفة عن كل الشخصيات. تبدو هادئة وشامخة في رداء ناصع البياض لتشكل بذلك البطلة الحقيقية للمشهد وللوحة. هي أول من يستعد من أفراد الأسرة للخروج. توجه نظرة شامخة لثلاثة من الحاشية المتواجدين على اليمين. والذين بدورهم يغضون لها الطرف إجلالًا لقدرها. وتظل عائشة الحرّة حرّة كالشهب ترحل وتداري وراء كبريائها الحزن والغضب وجموع الحاشية ترقب ضيائها وتنحني لها بإجلال وأدب.