هل هناك حقًا قوانين وقواعد تحكم قيام وسقوط الحضارات؟ ما هي أسرار نهوض الأمم؟ ولماذا تذبل بعدها وكيف تموت؟ وهل تنتقل الحضارات من أمة إلى أخرى؟ هذه الأسئلة الهامة هي محور كتاب”سرّ تطوّر الأمم” لمؤلفه المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون”1841-1931″ والذي يعد واحد من أهم فلاسفة علم الإجتماع الفرنسين.
الكتاب الذي يأتي من خمسة فصول هو دراسة للسنن النفسية لتطور الأمم وملخصّ لقراءات المؤلف في أسرار ولادة وموت الحضارات وإنتقالها، إذ يمكن إعتبار الكتاب موجز للمجلدات والدراسات السابقة التي كتب فيها لوبون حول حضارات الأمم السابقة بإسهاب وتعمقّ، يناقش المؤلف سرّ تطور الأمم ومسارها عبر التاريخ من خلال تبنّى فكرة مزاج الأمة العقلي وإحالة هذه الأمم لتقسيمات نفسية تحاكي خواصها الجسمية، وهي خواص تتشارك معها صفات أخرى ثانوية تساهم في تغيرات وتحولات الأمة المستمرة.
يطرح الكتاب العديد من الأسئلة والآراء حول أسس التقسيم النفسي للأمم من تأثير الأخلاق والأديان واللغات والفنون وإنعكاسها على مدنية الأمم وتهذيبها، وآلية إنتقال الفنون والعلوم بين الحضارات ودور ذكاء الشعوب وقدرات الأمة العقلية.
يناقش الكتاب أيضًا طبائع الشعوب النفسية ويعتبر فيه أن مظاهر روح الأمة ينبثق عن أخلاق هذه الأمم وله الدور الأساسي في تشكيل مدنيتها، كما يرى الكتاب أن دراسة تاريخ الأمم مشتق من دراسة أخلاقها، قد أورد لوبون الأمثلة على ذلك في مختلف فصول الكتاب كما أسقط نظرياته على تطور الولايات المتحدة بأمركيا والجمهوريات الإسبانية وغيرها من الأمم.
يطرح الكتاب أسباب تغير الصفات النفسية للأمم وتأثير المعتقدات الدينية في تطور مدنية الحضارات، وينتهي الكتاب في آخر فصل منه إلى تلخيص أسباب ذبول الحضارات، فالأمة حسب رأي غوستاف لوبون “تحتاج إلى زمن طويل لتبلغ ذروة الكمال الممكن، لكنها لا تحتاج إلى زمن قصير لتنحط نحو الدرك الأسفل”.
يخلص غوستاف لوبون رأيه في خاتمة الكتاب على أن التمعّن في النظر حول أسباب سقوط جميع الأمم والحضارات التي يذكرها التاريخ بلا أستثناء، يحيلنا إلى أن العامل الأقوي في إنحلاها جميعا هو تغيّر طرأ في “مزاجها العقلي” ترجع علّته إلى إنحطاط الخلق.
يعكس الكتاب في بعض الأطروحات بين طياته وجهات نظر تصادمت مع المعارف العلمية المعاصرة من ترجيحات التفاوت العرقي وما نحوه، مما أستدعى مترجم الكتاب أحمد فتحي زغلول إلى الإستعانة بتعليق علمي وضبط للنصوص من الدكتور أسعد السحمراني والدكتور عدنان حسين على بعض الجزئيات التي تمثّل إشكالية في طرح المؤلف ومراجعتها نقدياً مما يجعل الكتاب الذي يقع في 160 صفحة من القطع المتوسط ثريًا بالحواشي التي تفسر بعض التناقضات العلمية في آراءه أو تؤيدها في مواضع أخرى مع الإستدلالات ذات الصلة.