كتاب : المسلمون في التاريخ الأمريكي
كثرت في الآونة الأخير الأطروحات التي تتناول طبيعة العلاقة مابين أمريكا والعالم الإسلامي وتفاعل المجتمعات الإسلامية معها بالمقابل، ورغم أهمية هذا الدراسات إلا أن البحث عن جذور المسلمين في التاريخ الأمريكي لا يتناسب مع عمق العلاقة الممتدة. ولأجل ذلك قام الأستاذ الدكتور سعيد البازعي بترجمة كتابة مهم للغاية يرى أنه يعرّف بالمجتمع الإسلامي الكبير والفاعل في الحياة الثقافية داخل قارتين كبيرتين ومؤثرتين في حياة البشرية أيما تأثير، ومن هنا جاءت الضرورة الملحّة لترجمة كتاب (Muslims in American History–A Forgotten Legacy/ المسلمون في أمريكا، إرث منسي) لمؤلفه جيرالد ديركس.
صدر هذا الكتاب بداية باللغة الإنجليزية عام 2006 ليروي فيه الكاتب جيرالد ديركس تفاصيل الحكاية المنسية حول دور المسلمين في التاريخ الأمريكي، وقد أفاض المؤلف في هذا الكتاب بجمع وتلخيص العديد من المصادر الغنية التي تثري معرفة كل باحث عن الحقائق المنسية لتاريخ مبهم في قارتين شغلتا العالم طوال عقود متلاحقة.
برز ذكر الإسلام إعلاميًا في أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشكل لافت، لكن الجيل المتأخر من أصحاب الذاكرة هناك لم يعرفوا عن هذا الدين إلا الجزء القليل إبّان حركة الحقوق المدنية في الخمسينات من القرن الماضي خاصة مع وجود بعض الحركات التحررية التي إرتبطت بالإسلام مثل “حركة المسلمين السود” وغيرها. لكن إرث المسلمين في التاريخ الأمريكي أكبر بكثير من الذاكرة القصيرة فهو تاريخ تمتد جذوره لأكثر من ألف عام من الإتصال المتعاقب والعميق.
وكباحث أكاديمي متخصص تحصّل على شهادته العليا من جامعة هارفرد الشهيرة في مجال دراسته “علم النفس الأكلينيكي”، رصد جيرالد ديركس الكتاب بلغة أكاديمية دقيقة، وبالإضافة إلى درجته العلمية التي تزيد ثراء الكتاب فإن لمؤلفه خلفية دينية شكّلت بُعدًا آخر في الطرح؛ حيث أن ديركس قسٌ سابق وعالم في اللاهوت المسيحي ومهتم متبحر بالتاريخ القديم والحديث إهتدى للإسلام لاحقًا عام 1993، وهذا ما يفسر بعض ما سيلمسه القارئ العربي من عاطفة مبررة في ما بين سطورالكتاب لمؤلف يسعى لإحياء ذاكرة منسية شابها من الظلم الكثير.
حظيَّ هذا الكتاب الصادر عن مشروع هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بترجمة مميزة من الدكتور البازعي تتيح لكل قارئ غير مختصّ الإستزادة المعرفية الوافرة منه، كما أثرى البازعي هذا الكتاب بهوامش مفصّلة غنية لبعض الإشكاليات التي قد يقف عندها القارئ.
يتألف الكتاب من عشرة فصول ثريّة ويتميز كل فصل بتذييل للنتائج مع تلخيص للشواهد والدلائل، وقد قسّم ديركس الكتاب إلى مقدمة تاريخية يتناول فيها الحضور الإسلامي في أمريكا المعاصرة ومن ثم تناول علاقة المسلمين في القارتين ما قبل دخول كريستوفر كولمبس الذي نسب إليه إكتشاف المنطقة.
طرح في الفصل الأول العديد من اللمحات التاريخية حول أُولى الرحلات المسجلة من المسلمين لعبور البحار نحو القارة الأمريكية، وسجّل في ذلك أول هذه الرحلات من مسلمي الأندلس والتي أوردها المؤرخ والجغرافي الأندلسيّ أبو الحسن علي بن الحسن المسعودي (871-857) وذلك في كتابه “مروج الذهب ومعادن الجوهر” متضمنًا التوثيق المكتوب لأول إتصال إسلامي بالأمريكيتين في عهد الخليفة الأموي عبدالله بن محمد عام 889 بواسطة البحارة القرطبيّ الخشخاش بن سعيد بن أسود.
قام المؤلف بعرض مكثّف لمعلومات من مصادر متعددة حيث يمكن القول أن ديركس وحدّ جهود الباحثين من خلال كتابه الذي يقع في أكثر من 300 صفحة من القطع المتوسط.
يركّز الكتاب في الأساس على وجود المسلمين في أمريكا الشمالية وكيف ساهموا في صياغة المجتمع هناك بل وفي بناء الولايات المتحدة الأمريكية التي نعرفها اليوم، وهو دور لا يقل عن بقية الأدوار التي ساهمت بها أديان أخرى، وبالإضافة إلى هذا الجانب فإن القارئ العربي سيتمكّن أيضًا من الإطلاع على مقدمة لدور المسلمين الأفارقة أو الأندلسيين أوالعثمانين وسواهم في إستكشاف القارتين الأمريكيتين بل وبنائهم.
