كارلوس فيرنانديز كانو مغنى وشاعر أندلسى ولد بمدينة غرناطة 1946م حمل على عاتقه إحياء بعض الفنون الشعبية التراثية التى كانت قد اندثرت مثل “La Copla Andaluza”. وهى عبارة عن أغانى ظهرت فى إسبانيا فى بدايات الأربعينات وكانت تُعتبر رمزا للهوية القومية وتحمل الكثير من المشاعر الإنسانية العميقة. كذلك “El Trovo popular”وهى قصائد شعبية ارتاجلية وأحيانا حوارية كانت خاصة بمنطقة البشرات وغرناطة وقرطبة اعتمدت الإرتجال المُصاحب للموسيقى الفلكولورية, عبرت عن الحياة الثقافية الخاصة بالبشرات وعن أسلوب المعيشة وطريقة تفكيرالساكنة حيث كانت أهم المظاهر الثقافية للمنطقة على الإطلاق. كما بذل الشاعر أقصى جهده لتحرير هذه الأنواع التراثية من الفاشية الموجودة آنذاك, ومن أقواله ” تكمن القوة الحقيقية فى الفن الشعبى, والملصقات السياسية غير جديرة بها, وتعد ” La copla Andaluza” جزء من الشعب فمنه خرجت وهو الذى سطرها بيده وتاريخه حيث لا توجد لغة اُخرى مثل ” La copla” تعبر عن الحنين وتروي التاريخ” .
وككثير من الأندلسين فى ذلك الوقت هاجر فى شبابه إلى سويسرا وألمانيا باحثًا عن عمل وانعكست هذه التجربة فى أعماله فيما بعد مثل” المأساه”, حيث عكست الفقر الروحى والحزن الذى عاشه جراء اضطراره لمغادرة وطنه والذهاب إلى أرض صناعية ذات مناطر باهتة فى شمال أوربا وإن كانت غنية اقتصاديا.
مرونته كفنان يجمع بين الشعر والموسيقى جعلته قادرًا على كتابة موضوعات مختلفة مليئة بالمشاعر الإنسانية العميقة يصاحبها صوته فقط أو جيتاره أو فرقة موسيقية كما أن نوعية موضوعاتة والمشاعر التى تحملها والآلام التى تعبر عنها جعلت من كارلوس كانو شخصية بارزة فى بانوراما الموسيقى الإسبانية الأمريكية. واتسع أسلوبه ليشمل العديد من الفنون المختلفة مثل التانجو والبوليريا والرومبا, كما نظم مقطوعة موسيقية فائقة العناية مثل ” الملك المعتمد يودع إشبيلية” والتى أستندت إلى أصول عربية أندلسية حتى أن كلمتها مأخوذة من الأبيات الشعرية للمك الشاعر المعتمد.كما اتسمت أعماله فى المرحلة الإنتقالية الإسبانية ونهاية المرحلة الفاشية بطايع سياسى . جمعت أغانيه بين المطالبة العامة بإسبانيا ديمقراطية وطرح قضية الهوية الأندلسية من جديد وتحقيق إستقلالية أندلوسيا و يقول متأثرًا بكلمات بلاس انفانتى ” أن أكون أندلسى هو جزء من تكوينى الشخصى” وأضاف “لا أعتقد أن أندلوسيا ثقافيا يجب أن نطالب بها ونبحث عنها بالعكس فهى موجودة, ما يجب فعله هوتنميتها وجعلها على نطاق واسع وعلى جميع المستويات “. وفى عالم 2001م حصل على لقب ابن الأندلس المفضل.
ويحكى كالوس كانو عن إحدى رحلاته إلى المغرب يقول : فى الشمال وأكادير كانت الملصقات الإعلامية مكتوب عليها ” كارلوس كانو المغنى الإسبانى” . وفى مراكش”المغنى الأندلسى”. وفى فاس حيث تُوفى آخر ملوك غرناطة أبو عبد الله الصغير”مغنى غرناطة”.وفى إحدى الحفلات فى مسرح محمد الخامس بالرباط صرخ أحدهم نحوى وقال “أيها الغرناطى, غنى بالعربية” , وجاوبته قائلا ” لاأستطيع: فمنذ خمسمائة عام فقدت لغتى الأصلية ” .
كان إيمان كارلوس كانو بالقضية الأندلسية لا مثيل له وظهر ذلك جليًا فى الكثير من أعماله حيث تناول قادش والبشرات والمعتمد ابن عباد وأبوا عبد الله الصغير كما لم يتناولهم أحد, أيضًا فهمه واعتنائه بالفنون التراثية الشعبية والعمل على وصولها حد الكمال.
ومن الأعمال التى ظهرت فى هذه المرحلة ” خضراء وبيضاء ” وكانت تُعتبر النشيد الوطنى الغير رسمى لأندلوسيا حيث كانت تُشير إلى ألوان العلم الأندلسى .
خضراء و بيضاء
من روندا جئت أبحث عن ما هولى :
زهرة الشعب وزهرة مايو, خضراء وبيضاء .
ما أجمل أن تراها فى الهواء!, تزيل الألآم وتمحى المجاعات
خضراءو بيضاء
أحب وطنى , وأفنى روحى لأجله. أملى يتمثل فى رايته الخضراء البيضاء.
ما أجمل صوت الطيور البهيج! أرض حُرة, أرض السنابل, خضراء وبيضاء.
كبريق زهرة الخشخاش الحمراء الأندلسية,
خضراء و بيضاء
أحب وطنى , وأفنى روحى لأجله
أملى يتمثل فى رايته الخضراء البيضاء
- العلم الخاص بإقليم أندلوسيا
كما تبنى كالوس كانو فكرة عدم وجود الأجناس ذات الأصول النقية أو النظيفة وأن هذه كذبة من يؤيديون الطبقية والتعصب, وتناولت أعماله هذه الفكرة فى كل بيت شعرى, كما روت تاريخ أوطان عديدة مليئة بالخبرات المختلفة, من البحر المتوسط فى الجنوب حتى أمريكا والبحر الكاريبى , من أصله الأندلسى وحتى البوليرو والشعر الذى عبر مقاومة جرائم العنصرية والأغانى الشعبية البرتغالية والتانجو الأرجنتينى والكوبلا الأندلسية والتى مثلت لكارلوس كانو الحياة. ولم ينسى كالوس كانو مذبحة سربينيستا التى شهدتها البوسنه و الهرسك فالغناء لأندلوسيا هو غناء ضدد الظلم والقهر الموجود فى العالم, حيث كان يحذو حذو بلاس انفانتى أب الهوية الأندلسية وكان يتبنى نفس الشعار ” من أجل اندلوسيا حُرة, من أجل إسبانيا حُرة, من اجل الإنسانية جمعاء”
لدى حبين أحدهما فى هافانا,
والآخر فى أندلوسيا
لم نتلاقى أنا وأنت أرضى الحبيبة ,
أقرب من الصباح الذى يشرق على نافذتى
هافان المُستعمرة
قادش وكتدرائية مريم العذراء وأحياء بينيا والمنتيدور
لا أبالغ عندما أغنى مكررًا
هافانا هى قادش بطيورها الغناءه
وقادش هى هافانا بوجود كنيسة مريم العذراء
كان كارلوس كانو واحد من الرموزالثورية القليلة , الذين استطاعوا أن يقولوا بحرية ” لا” , لن نذهب إلى حيث فُرض علينا أن نذهب, كما شارك فى عسكرية أندلوسيا قبل وفاة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو, وشارك بحماسة فى الأنشطة السياسية الخاصة بأندلوسيا على الرغم من عدم قبوله استخراج كارنيه يشير إلى أنتمائه لأى نشاط سياسى, وتبنى بحماس قضية إستقلال أندلوسيا والعمل على أزدهار الوطن وعانى من الأزمات التى لحقت عند وصول الإشتراكين المزيفين للحكم فيما بعد وعبر عن ذلك فى الكثير من أعماله. لم يكن من الجيد فى ذلك الوقت انتقاد السلطة ولكن لم يتخلى كالوس كانو عن قضيته وتابع المسير مناضلا من أجل اندلوسيا والعالم .
رحل كارلوس كانو فى عام 2000م والذى أقصاه النظام الحاكم, ولكنه ترك لنا من خلال أعماله وأغانيه وأنشطته شئ لا مثيل له ألا وهو : المقاومة, مقاومتة العظيمة لكى يرفع راية الحق الذى لا نقاش فيه , هوية أندلوسيا والأندلسين فهوية وشرف أندلوسيا من هوية وشرف الأندلسين… فأين تركناهما؟
رهام إبراهيم