من السهل اختزال الخسارة الأندلسية في كلمات ساخرة وحكايات متوارثة عن الجواري والقيان وملوك سمان. لكن واقع التاريخ الأندلسي لهو أشد بأساً و أعقد تحليلاً، و عِوض السقوط في شراك المد العاطفي والجزر الفلسفي يتحتّم على كل دارس أن يتخذ موقفاً محايداً مبنياً على العقل ومحتكما للمعطيات العلمية. ما نقصده أن تقصير عدد من القادة والحكام في حساباتهم العسكرية والسياسية لا يعني بالضرورة تعميم الأحكام على الجميع عبر 800 من السنين، ولهو البعض من المترفين لا يشمل حالة كل الأندلسيين وهم أهل علم ودين وأدب وعمارة، ولنعدد على سبيل المثال بعضاً من الأسباب الاستراتيجية لضعف الأندلس:
– تقهقر السلطة الإسلامية في مجمل البحر المتوسط، مما سبب انهيار المبادلات و الملاحة البحرية العربية.
– دخول الحضارة الإسلامية في تحولات سياسية خلال فترات انهيار الخلافة (انشغال الشرق بالحروب الصليبية والداخلية عن دعم الجبهات الموحدية في أقصى الغرب).
– المذهبية الدينية (مثلاً للموحدين) و أسس الحكم المبني على العصبية القبلية والعشائرية.
– عدم توحّد طرق الحكم على منهجية واضحة.
تفسير السقوط الأندلسي إذن هو أمر صعب، يرتبط بنفس العوامل التي يعرفها الوضع المعاصر لدولنا (إن لم يكن مع ذلك الوضع الأندلسي أقل بؤساً بالمقارنة مع القوى الغربية المعاصرة) فإن توقفنا على حصر بعض المؤرخين العرب بحدودية تفسيراتهم، لن يساعدنا أمر حكايات الجواري في إسقاط العبر على الواقع الفلسطيني مثلاً ولا واقع الأنظمة العربية المتصارعة والعميلة ولا واقع الانفلات الاقتصادي ولا ولا..
ولكي نختم هذا المقال سنترككم مع رسالة للسان الدين الخطيب عن ضيق أحوال المسلمين في عصره، وهي تضاف إلى قائمة هامة من مراسيل الإستغاثات التي دفع بها الأندلسيون لمجمل حكام البسيطة الإسلامية، ومنها:
وإن تشوفتم إلى أحوال هذا القطر ومن به من المسلمين، بمقتضى الدين المتين والفضل المبين، فاعلموا أننا في هذه الأيام ندافع من العدو تياراً، ونكابر بحراً زخاراً، ونتوقع إلا إن وقى الله تعالى خطوباً كباراً، ونمد اليد إلى الله تعالى انتصاراً، ونلجأ إليه اضطراراً، ونستمد دعاء المسلمين بكل قطر استعداداً به واستظهاراً، ونستشير من خواطر الفضلاء ما يحفظ أخطاراً، وينشئ ريح روح الله طيبة معطاراً، فإن القومس الأعظم قيوم دين النصرانية الذي يأمرها فتطيع، ومخالفته لا تستطيع، رمى هذه الأمة الغريبة المنقطعة منهم بجراد لا يسد طريقها، ولا يحصى فريقها، التفت على أخي صاحب قشتالة وعزمها أن تملكه بدله، وتبلغه أمله، ويكون الكل يداً واحدة على المسلمين، ومناصبة هذا الدين، واستئصال شأفة المؤمنين، وهي شدة ليس لأهل هذا الوطن بها عهد، ولا عرفها نجد ولا وهد، وقد اقتحموا الحدود القريبة، والله تعالى ولي هذه الأمة الغريبة، وقد جعلنا مقاليد أمورنا بيد من يقوي الضعيف، ويدرأ الخطب المخيف، ورجونا أن نكون ممن قال الله تعالى فيهم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل وهو سبحانه المرجو في حسن العقبى والمآل، ونصر فئة الهدي على فئة الضلال، وما قل من كان الحق كنزه، ولا ذل من استمد من الله عزه قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ودعاء من قبلكم من المسلمين مدد موفور، والله سبحانه على كل حال محمود مشكور