غرناطة – رمانة الجنة الأخيرة 3 – اليتيمة

غرناطة – رمانة الجنة الأخيرة 3 – اليتيمة

الكاتب إبراهيم أحمد عيسى

غرناطة رمانة الجنة الأخيرة

“اليتيمة”

جــادك الغيــث إِذا الغيـث همـى *** يــا زمــان الــوصل بــالأَندلسِ

اختزلت الأندلس في غرناطة المتحالفة مع المرينيين ، عصر من القوة العسكرية المشتركة والنزاع أيضاً ، اجواء تتوتر احياناً ، وتصفو كثيراً ، نهضة فكرية وثقافية اعادت جزءا من عصر بائد ، اسواق عامرة واحتفالات صاخبة ، قصور مترفة ، واحياء غنية … وأصبح للمملكة وزن إقتصادي وأدبي وسياسي …. فغرناطة وريثة الأندلس أخذت في النمو إجتماعياً حتى صارت في اعلى مأذنة المسلمين تطوراً ورقياً ، كل هذا كان في فترة انشغال قشتالة بحروبها مع أراغون ورفيقاتها ، حرب ضروس تشتعل فى الممالك النصرانية ، وغرناطة آمنه خاملة ، لم تفهم ما سبق من دروس …..

فبنو مرين ضعف أمرهم وتفاقمت أمورهم , تهاوت دولتهم وانشغلوا عن وصية المنصور الموحدي حينما جائه الموت :
– أوصيكم باليتيمة والأيتام …
قالوا ومن اليتيمة والأيتام يا أمير المؤمنين ؟؟
– اليتيمة الأندلس والأيتام مسلموها .

أما قشتالة حاولت النهوض فاخذت تقتطع من أراضي غرناطة …. ولم يأت النصف الأخير من القرن التاسع الهجري – الخامس عشر الميلادي – إلا وقد فقدت غرناطة معظم أراضيها واصبحت محاطة بالقوى النصرانية من كل جانب … وأصبح أهل غرناطة يعدون أيامهم الأخيرة ..

ما قبل النهاية

في عام 1462 م – 868هـ … تربع ” علي أبو الحسن – الغالب بالله ” على عرش غرناطة ، وقد استخلص الملك لنفسه بعد حرب ضروس مع أخويه – يوسف أبي الحجاج و عبد الله الزغل – ، لم يكن الغالب يطمح في أكثر من أن يكون مثل أسلافه ، فقد سبق و أن خرج مع ابيه إلى الجهاد واستردوا بعض القلاع والحصن والقرى الصغيرة من قشتالة ، مما منحه أفضلية توليه العرش بعد ذلك ، فهو الأمير الحكيم المجاهد ، ولكن والي مالقة بدأ الفتنة التى قد غفت منذ زمن ، فأسرع إلى الثورة والإستقلال بمالقة عن غرناطة ،و ليصبح الأمر أكثر جدية ارسل إلي ” الزغل ” المقيم بقشتالة ، فأتى الزغل بمساعدة ملك قشتالة وقتها – هنري الرابعإلي مالقة وليبايعه أهلها وبذلك أصبح هناك قوتان متصارعتان .

فما كان من ” ابي الحسن ” إلا أن أغار على مناطق قشتالة في بداية العام 1470 م ، واخذ يفتك بحصون قشتالة ويعيد أراضي الاندلس لحوزته ، حتي يبهر أعين المسلمين و يعطى للعامة رسالة مفادها :

أنا أحارب قشتالة … إذن فأنا الصالح المجاهد الذي تجب طاعته

ولكن الزغل باغته فما كان من ” ابي الحسن ” إلا أن قاتل أخاه , فانشغل الأخوان فى الصراع فيما بينهم ، وتناسيا أمر قشتالة التى مات ملكها هنري مخلفاً صراعا آخر في قشتالة بين اخته إيزابيلا و ابنته خوانا ، و مع تفاقم النزاع الأهلي في مملكة غرناطة وبعد مواجهات دامية ، آثر الطرفان الهدنة والسلام ، على أن يحكم الزغل مالقه واحوازها ويحكم ابو الحسن غرناطة وما تحت يده من اراض وحصون .. كما أبرمت هدنه مع قشتالة التي كانت تسعى للخروج من أزمتها هي الاخرى .

الملكان- فرناندو و إيزابيلا –

 

في عام 1474 م أًعلنت إيزابيلا ملكة لقشتالة ، وسط سخط من مطران طليطلة وألفونسو الخامس ملك البرتغال ، الذي استولى على بعض مدن قشتالة وتوغل دون رادع ناحية سمورة ، فسارت لهم إيزابيلا برفقة زوجها ” فرناندو الكاثوليكي ” على رأس جيش قشتالة ، وهزموا هزيمة نكراء لم يستغلها ملك البرتغال ، وبعد بضعة أشهر انتصرت قشتالة ….

كان زواج فرناندو وإيزابيلا بداية اندماج المملكتين ( قشتالة و أراغون ) ، وقد تزوجا رغم أنف اخيها هنري ملك قشتالة ، الذي كان يرى فى زواجها من ملك البرتغال امرا اهم من مصاهرة أراغون عدوته ، وهكذا وبعد وفاة خوان الثاني ملك أراغون تولى فرناندو الحكم ، ليصبحا الملكين الأكثر نفوذاً في شبه الجزيرة الأيبيرية ، وليكون بداية عصر جديد تتوحد فيه الجهود للفتك بالمملكة الإسلامية الباقية …

غرناطة

كان أبو الحسن قد ركن إلى اللهو والعبث بعد هدنته مع اخيه الزغل ، كما أنه اتم صلحا مع قشتالة وملكتها الجديدة ، فوجد في حياة الرخاء لذة ، وراحت غرناطة تهوي في مستنقع الانحلال والاحتفالات الصاخبة ، وبينما كان أبو الحسن غارقا في شهواته ، أرسل إلى فرناندو وإيزابيلا لتجديد معاهدة الهدنه بينهما ، ولكنهما طالباه بما كان يدفعه اسلافه لقشتالة وأن تعود غرناطة لطاعة قشتالة مرة أخرى ، فرفض أبو الحسن واخذته العزة أكثر عندما علم ان قشتالة قد داهمت حصنا قريبا من رندة وعاثت فى الارض فساداً ، فما كان منه إلا أن جمع قواته وافتتح بلدة الصخرة وهي قريبة من مدينة رندة حيث الحدود الغربية لمملكة غرناطة …

كان لتلك الواقعة أثر كبير فالملكين ظنا انهم امام عدو قوي قد يسلب الأندلس من تحت أقدامهم ، فكان الأمير ابو الحسن في نظرهما فاتحا جديدا ، وقد بث نصره المظفر روح الجهاد والحرب فى نفوس أهل غرناطة ، فكان له أثر عظيم في إحياء قوى الشعب المعنوية .. التى سرعان ما تبخرت مع ركونه مرة أخرى للدعة والترف ، فقد أثقل كاهله المغارم ، التي نالت من أهل غرناطة أيضاً .

وفي إحدى أجنحة الحمراء كان هناك صراع من نوع آخر … صراع قد يغير مجرى التاريخ …

يتبع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المصادر:
– دولة الإسلام فى الأندلس – محمد عبد الله عنان
– البيان المغرب – بن عذاري

المواضيع ذات الصلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *