عندما سلَّم خوليو أنغيتا دير سانتا كلارا للمجتمع الإسلامي

عندما سلَّم خوليو أنغيتا دير سانتا كلارا للمجتمع الإسلامي

 

سِلاحه لسانٌ رزين وكلام رصينٌ يضرب أرضا هَوجَ كل خطاب ووَهجَ كل الدواوين. تُضاحكُ سرعة بديهته صُورَ المعاني وأداء فكر منهجي منظمِ، لا يُفَتِّق غير الكلام المُخَتَّمِ.

إنه السياسي خوليو أنغيتا. مدرس تاريخ متقاعد وسياسي أندلسي من رواد الفكر اليساري. ولد في 21 نونبر لسنة 1942 بمنطقة فوينخيرولا، وهي بلدية تقع في مقاطعة مالقة بأندلوسيا. عَمل كعمدة لقرطبة (1979- 1986). كما شغل منصب الأمين العام للحزب الشيوعي (1988- 1998) ومنصب المنسق العام لحزب اليسار الموحد الإسباني (1989- 2000). حقق الحزب تحت قيادته أقوى نجاحاته الإنتخابية، متجاوزا حدود المليوني صوت خلال الإنتخابات التشريعية الإسبانية لسنتي 1993 و1996. تمتع حزب اليسار الموحد بشعبية واسعة في عهده. وكان من أهم انشغالاته مناهضة الفساد والإلتزام بإحداث اتفاقيات برامجية ملموسة.

نجاحه السياسي، شعبيته، خطاباته المنهجية المنظمة، جهارة صوته، حسن نبرته، سلامة قدراته الخطابية من العيوب، كلها صفات دفعت الناس من مختلف الطبقات لترقبه بوقار فأطلقوا عليه لقب الخليفة الأحمر.

 

عمدة قرطبة سابقا خوليو أنغيتا الملقب ب'الخليفة الأحمر'

عمدة قرطبة سابقا خوليو أنغيتا الملقب ب’الخليفة الأحمر’

يرتبط اسم الخليفة الأحمر بإحدى الحلقات المثيرة للجدل التي عرفتها قرطبة ال1981. قدَّمَ خوليو أنغيتا دير سانتا كلارا للجمعية الإسلامية مانحاً مفاتيح الدير للمرحوم علي الكتاني. رأى أنغيتا أن تسليم المفاتيح لا يعني عقد مِلكية بقدر ما هو رغبة في تعزيز العلاقات التي تربط قرطبة ببلدان العالم الإسلامي. حوَّل حدث تسليم الدير لعلي الكتاني من الخليفة الأحمر أسطورة. فتهافتت عليه الصحف والمجلات الوطنية، إذ رأوا في هذا الرجل وفي مواقفه الجريئة وقراراته القاطعة، خاصة تلك المتعلقة بالدير، سابقة صحفية ومادة إعلامية دسمة.

فسّر بعض النقاد تصرف أنغيتا على أنه محاولة لجلب تعاطف البلدان الإسلامية والجماعات العربية خاصة الغنية منها، ليحققوا استثمارات بقرطبة. خاصة أن نظرتهم للمدينة تعكس حنيناً تاريخياً خاصاً.

أما أسقف قرطبة خوسي أنطونيو إنفانتيس فلوريدو فلقد اتخد من جملة للكتاني قال فيها:” عندما سنصبح مئات الآلاف من المسلمين بأندلوسيا، سنصلي بمسجد قرطبة الكبير” دليلاً قاطعاً لانتقاد قرار الخليفة الأحمر وإدانته. خاصة بعد أن ضخَّمت مجلات أجنبية من شأن حدث تسليم مفاتيح الدير للمسلمين باعتبارها خطوة نحو استرداد المسلمين للأندلس. كما أعلن الأسقف أن دعم الإسلام بالديار القرطبية سيكون بمثابة خطأ تاريخي عظيم سيعود على إثره القرطبيون قروناً للوراء.

 

وبدوره طالب فرانسسكو غونزاليس الناطق الرسمي باسم حزب اتحاد الوسط الديمقراطي الإسباني من خوليو أنغيتا الإستقالة من منصبه كعمدة لقرطبة بعد تسليمه مفاتيح دير سانتا كلارا للمسلمين. وستثار نفس الجدلية في يناير 1982 . ضمت قرطبة اللقاء الأول “للصداقة الإسبانية-العربية”. صلى على إثرها بعض المسلمين المشاركين بهذه التظاهرة الثقافية بمسجد قرطبة دون إذن الأسقف الذي استنكر الموقف واعتبره اعتداءا على المعتقدات المسيحية.

300px-Convento_de_Santa_Clara_(2)_(Córdoba,_Spain)

دير سانتا كلارا بقرطبة

 

أدت سلسلة الإعتراضات المناهضة لقرار وضع دير سانتا كلارا المحلي تحت تصرف المجتمع الإسلامي إلى إلغاء الإتفاق لاحقا. يعتبر دير سانتا كلارا أول دير تم إنشاؤه بقرطبة بعد الزحف المسيحي سنة 1265 فوق مسجد يعود لسنة 976 . والذي بدوره أُسس فوق كاتدرائية من القرن السادس سُميت قديما ‘كاتدرائية القديسة كاتالينا’. يخضع الدير حاليا لمجموعة من الإصلاحات وهناك حديث عن إمكانية تحويله لمتحف خاص بمدينة قرطبة.

 

توفي ابن الخليفة الأحمر، خوليو أنغيتا برادو في حرب العراق. إذ يعتبر ابنه أحد الصحفيين الإثنين الذين قضوا هناك. بدأت حرب العراق في 20 مارس 2003 حتى 15 ديسمبر 2011. بدأ الغزو من قبل القوات متعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. حيث ادعت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وذلك يهدد أمنها وأمن حلفائها من قوات التحالف. توفي الإبن خلال الحرب وبنيران عراقية. عند معرفة الخليفة الأحمر بوفاة ابنه أعلن جملته الشهيرة والتي سيرددها المتظاهرون ضد حرب العراق فيما بعد : ” لقد كان صاروخا عراقيا، والأمربالنسبة لي سواء، كل ما يمكنني قوله أنني سآتي في فرصة أخرى، وسأواصل القتال من أجل الجمهورية الثالثة. فلتسقط الحروب وكل الأوغاد الذين يدعمونها “. يحن أنغيتا إلى إنشاء جمهورية إسبانية نضالية. إذ يرى في تأسيس الجمهوية الثالثة ضرورة سياسية لإحداث إصلاحات ديمقراطية بالشارع الإسباني.

 

ابن الخليفة الأحمر، الصحفي خوليو أنغيتا برادو المتوفي في حرب العراق

ابن الخليفة الأحمر، الصحفي خوليو أنغيتا برادو المتوفي في حرب العراق

عرف حزب اليسار الموحد بعد رحيل الخليفة الأحمر تراجعا مهولا إذ حصل على مقعدين اثنين فقط في الإنتخابات الإسبانية لسنة 2008. الشيء الذي دفعه إلى تقديم عريضة يدافع فيها عن ضرورة إعادة تأسيس الحزب. عزا في رسالته الهزيمة الانتخابية إلى عدم وجود منهجية واضحة وللبرنامج السياسي الغير متناسق.

 

سميرة فخرالدين

 

المواضيع ذات الصلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *