أنا وبكل بساطة امرأة مناضلة، امرأة تناضل عبر إبداعها الأدبي، وعملها في الصحافة والتحرير لتعزيز العلاقات الإسبانية المغربية الجيدة.
ترجمة سميرة فخرالدين
– ما هي الاستنتاجات التي خرجتِ بها من المؤتمر الدولي المغربي الإسباني “صورة المغرب في الصحافة الإسبانية” ؟
كانت كلها إيجابية. استحقَّت كل هذا العناء الذي بُذِلَ في التحضير لأشهر قبل انطلاق المؤتمر، حيث أن الصور النمطية التي حُملت من إسبانيا إلى المغرب والتي تعكس فكرة مسبقة شائعة في عدة وسائل إعلامية،تلاشت عند حضور هذا المؤتمر الدولي.
بالنسبة لنا كأعضاء اللجنة العلمية والتنظيمية، كان من دواعي سرورنا رؤية الإسبان يعودون إلى وجهتهم مع واقع مغرب اليوم، حيث المجتمع المضياف، وحيث تلعب المرأة دورًا مركزيًا ككيان و تساهم إلى جانب الرجل في تحسين وضع المجتمع المغربي. عادوا وهم مقتنعون بأننا متشابهين جدًا، على الرغم من إدراك الاختلافات القائمة بيننا. ولقد أكدت الإستطلاعات أن 98 بالمائة يعتزمون العودة لقضاء وقت أطول في المغرب.
من وجهة نظر إعلامية، نوجه أطيب تهنئة وأحر شكر لجميع وسائل الإعلام في كل من إسبانيا والمغرب وأمريكا اللاتينية للمتابعة تطورات هذا المؤتمر عن كثب ولنشر حقيقية ما حدث بمصداقية.
تُركِّز إسبانيا باستمرار على الصور العدائية والمُخيِّبٍة عن المغرب وذلك بالتلميح المستمر إلى الصراعات حول الصحراء المغربية، أو مشكلة سبتة ومليلية الإقليمي. ولكن لا تُبرز ما هو إيجابي كالثقافة وبعض العلاقات الطيبة التي تجمع هذين البلدين المجاورين. لذلك فالمغرب، الذي يجد نفسه في موقف المُعتدى عليه، يرد صحفيًا بنفس الأسلوب الحربي.
وبالتالي، ارتأينا خلال هذا المؤتمر محاولة تحديد واكتشاف الصورة التي تطغى على وسائل الإعلام أولاً، ثم العمل على تخفيف المواقف لإحداث تقارب إعلامي إسباني مغربي في الحاضر والمستقبل.
– بعد زيارة عدة مدن مغربية، ما الصورة التي تكونت لديكِ عن المغرب؟
عندما وطأت قدماي للمرة الأولى المملكة العلَوية أحسست بخوف بسبب الصورة المسبقة التي وصلتُ بها. أما الآن فيمكنني أن أقول بكل فخر أن المغرب هو بلدي الثاني.
– كيف تُقيِّمين الأدب المغربي الناطق باللغة الإسبانية ؟
لقد أخذ يكتسب مكانة عالمية، وهذا يرجع إلى حد كبير إلى الدراسات والبحوث التي تُجرى بمختلف الجامعات في إسبانيا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية. نذكر على سبيل المثال، “الأستاذ كريستيان الريشي” من جامعة “لامرسيد” بكاليفورنيا من خلال نشره لكُتاب مغاربة ناطقين باللغة الإسبانية. بدون شك، يساهم ذلك بشكل كبير في تطوير وابتكار الأدب المغربي الإسباني. هناك شيء آخر سبق أن أشرت به للدكتور “الريشي” هو أنه لا وجود لبيانات تعمل على جمع فئة من الكُتاب، كحالتي، كاتبة ناطقة باللغة الإسبانية والتي تستعمل في إنتاجاتها الأدبية ألفاظًا وحتى جمُلًا بالدارجة. لأتساءل على أي ضفة أرسي؟
– تم منحكم مؤخرًا لقب ‘المواطن الفخري” لمدينة شفشاون. ماذا يشكل هذا اللقب بالنسبة لكِ؟
هو بمثابة رسالة امتنان واعتراف بكفاحي الهادف إلى إحداث تقارب بين ثقافتين، وتجنيس العلاقات الرابطة بين بلدين متجاورين، من أجل تفادي كل الشوائب التي قد تُغطِّي على مشاريع مستقبلية. نحن في حاجة إلى بعضنا البعض وتصرُّف الرئيس “محمد السفياني” كان نموذجيًا، لم يكن فقط اعترافًا بحبي وارتباطي بمدينة شفشاون وإنما كان أيضا بمثابة يد مُدَّت لإسبانيا.
إنه لمن دواعي الفخر والسرور أن أحضى بلقب “شفشاونية فخرية” وأتمنى تمثيل هذا اللقب كما يستحق المجتمع الشفشاوني.
– ما الذي يمكن للشعر أن يقدمه للإنسانية؟
يتم نظم الشعر عن طريق الكلمة ليصبح أداة، أداة رقيقة، واعتمادًا على طريقة عزفها، يمكنها بفعالية مفاجئة تأدية دور قد يضاهي بكثير الدور الذي تلعبه السلطة السياسية نفسها. وبالتالي، يستطيع الشِّعر أن يجلب السلام وكما يُقال نريد سلام يتوق الكل لزرعه بين الشعوب، سلام وإن كان يبدو خيالًا يمكن أن يصبح حقيقة وإن لم يكن. يأتي هذا في إطار السؤال الذي تفضلتم بطرحه مسبقًا.
– في عملك الأخير “كلمات هشّة” نلاحظ أن هناك مزج بين الشعر و الرسم. ما السر وراء هذه المبادرة الرائدة من نوعه؟
الكتاب فنٌ ناتج عن طريق الكتابة، ولكن يمكن بث نفس الإحساس الذي تبثه القصيدة عن طريق نسق فني آخر كالرسم و الموسيقى والتصوير. غايتي كانت ولاتزال وستضل هي: دمج الفنون والثقافة الإسبانية المغربية كوسيلة للتعبير الفني. “كلمات هشّة” هو ديوان شعري يكسر القواعد المعتادة. حيث يعمل على سرد قصة في قالب شعري، بينما وكما نعلم جميعًا، لا تُروى القصص في الشعر. أدرجتُ صورا لتبيان ما تعبر عنه أبياتي، إنها صور متماثلة تُحيّرالقارئ، فلا نعرف هل نحن أمام صور من إسبانيا أم من المغرب، تمامًا كالذي قمت به من خلال لعبة غموض”الأنا الشعري”. أحيانا لا نعرف إذا ما كان الأنا الشعري مغربيًا أو إسبانيًا.
– يحمل عملك “كلمات هشّة” مناظر طبيعية لتطوان، شفشاون، الدار البيضاء والرباط. هل أنتِ عاشقة للمغرب؟
بالتأكيد حبي للمغرب لا يُترجم فقط في حب أماكنه وإنما أيضًا في حب ناسه. ككل البلدان التي قمتُ بزيارتها، هناك أناس طيبون وآخرون أقل طيبة، ولكن يجب أن أقول أن “مغربي” يشكّل بالنسبة لي الأندلس الحلم، بلد يتطور وينمو باستمرار.
يتناول ديوان “كلمات هشة” عاطفة حب عاجزة عن الإستمرار في الزمن، لتعكس ثنائية الحب والموت. إنه القدر الذي يقف أمام عاطفة حب جيّاشة تربط بين اثنين من الفنانين. إنه صراع بين حضارتين تعانقان بعضهما البعض ثم تتشاجران في الوقت ذاته.
إنه الصراع الهائل بين داوود وجالوت، بين كلمة إسبانية لاتينية وأخرى بالعامية، بين إشارة صليب ونداء مؤذن للصلاة، ذلك النداء الذي يهز أنَاك الشعري وإن كنتَ في الضفة الأخرى من المسجد. إنه الإحساس بالسعادة وفي الوقت ذاته بالإحتضار عندما تسمع على الساعة الرابعة فجرًا عبارة: “أصبحنا ولله الحمد”.
وأن تحاول أن تحس بفحوى هذه الجملة التي أعتبِرُها بمثابة شعر حقيقي، ودون أن أعي معنى بعض السلوكيات البشرية غير المقبولة، يمكنني الإقرار بأنها سلوكيات تتناقض مع المعنى الكامل للصلاة، لا أقصد فقط المنظور الديني وإنما أيضًا الدلالي.
– بلغَنَا أنكِ ستقدِّمين خلال الأيام المقبلة ورشة ابتكار في جامعة “قادش”من 13 إلى 16 من ماي، وستسافرين إلى عدة جامعات بإسبانيا للحديث عن التعددية الثقافية وعن التخصصات المختلفة، كما ستكونين إلى جانب خوان مانويل سيراط.
هل يمكن اعتباركِ سفيرة للثقافة الإسبانية المغربية ؟
لا أعتبر نفسي أي شيء، لا يمكنني احتضان ألقاب في حق نفسي. أنا وبكل بساطة امرأة مناضلة، امرأة تناضل عبر إبداعها الأدبي، وعملها في الصحافة والتحرير لتعزيز العلاقات الإسبانية المغربية الجيدة.
– شاعرة الضفتين، رائدة شعر الهواجس”هكذا يُلقبك خوان خوسي تيييث “.
إلى أي حد يمكن اعتبارك شاعرة الضفتين؟
أنا شاعرة ما بين البحرين والضفتين، شاعرة تحب وتبتكر أبياتها الشعرية بلغتين، شاعرة ترعرعت مابين أشعار لوركا وخوان رامون خيمينيس وألبرتي، وأشعار عبد الكريم طبال والفتحي وشكري وكتابات التركي أورهام باموق (في النثر) و أشعار أهل مصر ذات النكهة الأندلسية، أي تلك الإبداعات الأدبية المصرية التي تحمل في طياتها ذكريات الأندلس. كلهاهذه عوامل تُشعرني بصحة الصيغة التي يعرفني بها الكاتب الكبير “تيييث”.