الأندلس حقائق الفتح وأسباب السقوط من وجهة نظر غربية.

كم منا يعرف كلا من ابن حزم، المعتمد،ابن طفيل،أبو اسحاق البطروجي؟ على الأغلب، قلة. إلا أن هؤلاء كانوا في الحقيقة أهم مفكّري وعلماء العصر في الأندلس.

كانت السنة 1492 فارقة جدا فمنذُ فترة بسيطة احتفل الأمريكيون بذكرى استكشاف كولومبوس الأمريكتين.إلا أنه ثمة ذكرى أخرى مرتبطة بهذا العام.ومع أن هذه الأخيرة، كانت علامة فارقة في تاريخ البشرية إلا أن الإتيان على ذكرها كان أقل والحدث الذي نقصده كان سقوط آخر معاقل المسلمين في الأندلس : غرناطة.

كان يوم الثاني من يناير لعام 1492، حينما استولى ملك قشتالة الكاثوليكي على المدينة التي حكمها المسلمون لثمانية قرون.

دخول المسلمين لشبه الجزيرة الإيبيرية والذي واكبه أكثر عصور المسلمين وهجا وإشراقا بدأ بدعوةٍ من أحد أطراف الحرب الأهلية المستعرة في مملكة القوط الغربيين لموسى بن نصير وهو الحاكم الأموي شمالي أفريقيا بأن يتدخّل عبر دعمه بأرتال عسكرية.

وعليه طلب موسى بن نصير من رئيس القوات المسلمة هناك “طارق بن زياد” بأن يمدّ الزعيم القوطيّ ب 7000 محارب وفي السنوات اللاحقة سيذهب هو بنفسه إلى ايبيريا،خلال 7 سنوات سيحكم المسلمون قبضتهم على شبه الجزيرة الايبيرية بأكملها فيما عدا كل من “جليقية” و “أستورياس” في الشمال.

muslim-warriors-led-by-the-umayyad-caliphate-general-tariq-ibn-ziyad-during-the-conquest-of-the-visigothic-kingdom-in-spain-and-portugal

قُبل هذا الحكم الإسلامي طوعا من قبل عدد واسع من القوطيين وبعضهم قبل الإسلام كديانة ، فلم يعتدي المسلمون على السكّان الأصليين وسمحوا لهم بممارسة شعائرهم الدينية بكل أريحية ولم يتدخلوا في نمط ثيابهم أو عاداتهم.
بعد انهيار الحكم الأموي بين عاميّ 1009 و 1031 كنتيجة للقلاقل ونجاح حكّام ضِعافٍ في الوصول إلى سدة الحكم، ظهر إلى الوجود عدد من الطوائف الهزيلة الضعيفة (فيما عرف بفترة ملوك الطوائف) ،وبغض النظر عن أن هذه الممالك كانت أكثر ضعفا وهشاشة من الحكم الأموي السابق إلا أن حركة مذهلة في الفنون والعلوم ازدهرت في حقبة الطوائف ولعلّ أبرز أسباب هذه النقلة العظمى، رعاية كل حاكم من هؤلاء للفنانين، الباحثين والعلماء للحصول على مكانة اجتماعية أعلى من بقية الناس.

في النهاية، أدى غياب مركزية ووحدوية دولة إسلامية إلى أفول القوة الإسلامية في شبه الجزيرة وخسروا مساحات شاسعة من شبه الجزيرة الايبيرية لصالح القوى الكاثوليكية التي كانت تثبت نفسها في الشمال وقد طالبت هذه الممالك المتهالكة يوسف بن تاشفين حاكم دولة المرابطين في المغرب أن يتدخل.
حصلوا على الإمدادات التي طلبوها، إنما في عام 1090 ترك المرابطون تلك الممالك في مواجهة مصيرها المحتوم.إلا أن ملوك الطوائف سيطلبون المساعدة هذه المرة من دولة الموحدين. قبل الموحدين عن طيب خاطر مساعدة الطوائف ولفترة من الزمن ربحوا عدة جولات في الحرب الدائرة في ايبيريا.

على الرغم من ذلك، هزموا سنة 1212 في معركة العقاب وفي غضون عدة عقود سيتقهقر الموحدين إلى مضيق جبل طارق.تهاوت المدن المسلمة واحدة تلو الأخرى حتى سنة 1260، حيث تبقت مملكة غرناطة فقط وصمدت هذه لقرنين لاحقين.

بحلول نهاية العام 1491 كانت جيوش فيرديناند وإيزابيلا على أبواب المدينة.

كان قد تبقى خطوة أخيرة فقط، في الثاني من يناير سنة 1492 والتي انتهى بها وجود أي قوة حاكمة مسلمة في ايبيريا وفي عام 1500 كان المسلمون في مواجهة خيارين أحلاهما مرّ، إما التحوّل من الإسلام إلى الكاثوليكية وإما الطرد من ايبيريا. بدّل البعضُ دينه، فيما استمر البعض الآخر بممارسة شعائر الإسلام سرا واختار الباقون الترحيل.

من نافلة القول أن الأندلسيين كانوا قد طوروا مجتمعا متفردا بتسامحه، حريته لا يذوّب الآخر في الغالبية ،العرب اليهود والمسيحيون ومهاجرون أُخر كانوا قد عاشوا سويا جنبا إلى جنب في سلام وتجانس لثمانية قرون.
قرطبة، عاصمة الأندلس كان مركز الرقيّ والثراء في حضارة ايبيريا المسلمة في ذروة مجدها، كانت قرطبة مشهورة بثقافتها الفكرية المتقدّمة، مراكز تعليمها ومكتباتها الضخمة، في تلك السنوات كان هنالك حوالي مليون نسمة، 200.000 بيت 60 قصرا 600 مسجد 700 حمّام و70 مكتبة عامّة في قرطبة لوحدها.وأكبر مكتبة مركزية في قرطبة حوت 400.000 كتابا مخطوطين باليدّ ، وفهارس حوت 44 فئة للكتب.

ilim1

يقول المستشرق الشهير “ريتشارد دوزي” بأن كل شخص في قرطبة تقريبا تمكن من القراءة والكتابة وجربير أولريك والذي أصبح لاحقا البابا الفرنسي سلفستر الثاني، كان أول شخصية أوروبية مهمة درست العلوم عند العرب.وكان كذلك مسؤولا عن العديد من البعثات الطلابية إلى الأندلس خلال أواخر القرن العاشر،نهاية ذلك القرن، كانت مدينة قرطبة قد وظفت مئات الطلاب كمترجمين لشرح آلاف المخطوطات العلمية والأدبية التي كانت تصل قرطبة من بغداد والقاهرة للأجانب.

عبر تلك التراجم، كان الفلاسفة والعلماء قد استنبطوا علومهم عن الرومان، الإغريق و العرب، تقدّموا وتوسعوا بفضل علماء مسلمين إلى أوروبا، مشعلين بذلك وقود عصر النهضة والتنوير.

Aristotle-with-Arab-Scientists1

وبشكل عام فإن أوروبا الغربية تدين للحضارة الأندلسية بالكثير بفضل تدفق الفكر الغني من الأندلس إليها،كانت ايبيريا أرضا خصبةً للتعلم، إنتاج حلقات طويلةٍ من الفكر،الجماليات والمبتكرات العلمية التي تعزى للمفكرين المسلمين، المسيحيين واليهود والروح الجماعية التي خلقوها.

كان هذا الازدهار نتيجة لروح التسامح التي سادت طيلة فترة التاريخ الأندلسي.

في الأدب، ابن حزم المتوفى سنة 1013 نشر الشعر الرومانسي في رائعته (طوق الحمامة)هذا الشكل من الشعر عبر من الأندلس صوب شمال أفريقيا.

وصل الأدب الإسلامي في الأندلس ذروته، في عهد الطوائف حينما أسس حاكم إشبيلية المعتمد أول مدرسة لأدب الرسائل، فيما كتب ابن دراج القسطليّ سلسلة من القصائد فائقة الجمال.

بحلول نهاية القرن الحادي عشر كانت الأندلس واجهة أوروبا العلمية،برع الأندلسيون في الفلك، النظري منه والعمليّ، عبر تطوير التصنيفات الفلكية ودقة الأدوات المستخدمة في رصد الأجرام السماوية.

1)فلكيّ طليطلة الزرقالي:متوفى سنة 1087، أتي شهرة الزرقالي الحقيقية من أعماله الرائدة في الجغرافية الفلكية، فهو أول من قاس طول البحر الأبيض المتوسط قياسا دقيقا حيث أعطى اثنتين وأربعين درجة وهو رقم قريب جدا من قيم القياسات الحديثة، كما كان أول من أثبت أن رحلة ميل أوج الشمس هي (12,04) ثانية بالنسبة للنجوم الثوابت والرقم المعاصر هو (11،08)، وهو أول من قال بدوران الكواكب في مدارات بيضاوية،أما عن اختراعه فقد ابتكر آلات فلكية جديدة وصفها في كتاب له يعرف باسم الصحفية الزرقالية فشرح فيها كيفية استعمال الأسطرلاب على منهاج جديد والتحسينات التي أضافها إلى الأسطرلابات، وقد أهدى هذا الكتاب إلى المعتمد على الله محمد بن عباد، كما قام بحساب مواقع النجوم ووضعها في أزياج عرفت باسم الأزياج الطليطلية تشمل الأرصاد التي قام بها مع زملائه في طليطلة، كما ألف رسالة في غاية الأهمية والتي تحتوي على المعلومات الضرورية لصنع واستعمال صحيفة الزرقالة التي قدمت خدمة جليلة لعلماء العرب والمسلمين في ميدان الرصد، ولقد ترجمت هذه الصحيفة إلى عدة لغات، كما اعتمد عليها علماء أوروبا في عصر نهضتهم في جميع أرصادهم الفلكية طوال قرنين من الزمان،إسهاماته العلمية :اخترع الزرقالي نوعاً جديداً من الأسطرلاب معروف باسم “الصفيحة الزرقالية” التي حظيت بأهمية كبيرة، وقد دخلت هذه الصفيحة إلى مجال علم الفلك تحت اسم ” الأسطرلاب الزرقالي”، وفي القرن الخامس عشر، نشر راجيومونتانوس مخطوطاً يبين فيه مجمل فوائدها، وهو من الأوائل الذين أثبتوا حركة أوج الشمس بالنسبة للنجوم، ووجد أنها تصل إلى 04،12 دقيقة في السنة (والقيمة الحقيقية هي 8،11 دقيقة). كما وضع الزرقالي جداول عن الكواكب، وهي المعروفة بالزيج الطليطلي، بناء على أرصاده التي قام بها في مدينة طليطلة من 1061إلى 1080م، وصحَّح الزرقالي المعلومات الجغرافية لبطليموس والخوارزمي، فقد وجد أن طول البحر الأبيض المتوسط هو 42 درجة وليس 62 درجة كما قال بطليموس.

images

2)في الطب قدمت الأندلس الزهراوي:متوفى سنة 1013، والذي كتب بشكل مكثف في شأن الجراحة، الصيدلة وأخلاقيات الطب وعلاقة المريض بالطبيب.

3)ابن زهر: وهو طبيب نطاسي مسلم معروف في الأندلس، من أهل إشبيلية. ولَـقب “ابن زهر” هو كنيةُ أسرةٍ من علماء المسلمين نشؤوا في الأندلس من بداية القرن العاشر إلى أوائل القرن الثالث عشر الميلادي. وأشهرهم هو الطبيب “عبد الملك بن زهر”، ويسمى عادة “أبو مروانوي” وقد عُـرف عند الأوربيين باسم Avenzoar. وهو ينحدر من عائلة عريقة في الطب، فقد كان والده “أبو العلاء” طبيباً ماهراً في التشخيص والعلاج، وكان جده طبيباً أيضا. ولد عبد الملك في إشبيلية سنة 465هـ/1072م لأسرة عريقة في العلم اشتغل أبناؤها بالطب والفقه. حفظ العالم المسلم ابن زهر القرآن، وسمع الحديث واشتغل بعلم الأدب والعربية ولم يكن في زمانه أعلم منه باللغة. لـه موشحات يغنى بها وهي من أجود ما قيل في معناها. بعد أن درس عبد الملك الأدب والفقه وعلوم الشريعة، تعلم الطب على والده “أبي العلاء”. ولم يَكْفِ عبد الملك ما انتهى إليه من معرفة علمية بالطب عن طريق والده، فرحل إلى الشرق ودخل وتطبب هناك زماناً -أي تعاطى علم الطب وعاناه- ثم رجع إلى الأندلس فقصد مدينة “دانية”، فأكرمه ملكها وأدناه وحظي في أيامه، واشتهر ابن زهر بالتقدم في صناعة الطب، فشاع صيته وطار ذكره منها إلى أقطار الأندلس.‏ ثم انتقل من دانية إلى إشبيلية، وظل فيها حتى وفاته، مخلّفا أموالاً جزيلة.‏ وقد فاق جميع الأطباء في صناعة الطب.

*أولى مدارس الطب في العالم كانت قد بنيت على أيدي الأندلسيين في ساليرنو.

4)عبد الله بن عبد العزيز كان أحد أفضل الجغرافيين المعروفين وله كتابه الشهير “مسالك الممالك”.

5)الإدريسي كذلك كان جغرافيا عظيما، كان معلما في قرطبة وألف كتابه ” كتاب الروجري” بطلب من ملك صقلية روجر الثاني.في هذا الكتاب قسم الإدريسي العالم إلى 7 مناطق مناخية مختلفة وكل منطقة إلى عشرة أجزاء وكان قد رسم في كتابه خرائط مذهلة بالغة الدقة.

ux9NJzU

برع الأندلسيون في الرياضيات وبالأخص في علم الهندسة وكانوا أول من استخدم العدد 0 في أوروبا.

من بين الفلاسفة الكثر الذين عاشوا في الأندلس نذكر ابن باجة، ابن الطفيل و ابن رشد وكل هؤلاء أثروا في أوروبا بعمق. أبو بكر ابن عمر، أبو مروان برعوا في الدراسات التاريخية.

مع أن مجد الأندلس جرى تعظيمه كثيرا في العالم الإسلامي، إلا أن قليلا من الاعتبار جرى إعطاؤه لعوامل السقوط، بعض هذه العوامل كان خارجيا كوحدة وتوسع الممالك المسيحية في ايبيريا و الانعزال الجغرافي و السياسي للأندلس عن بقية العالم الإسلامي.
وكان كذلك ثمة عوامل داخلية، ساهمت في سقوط الأندلس: المنافسة على الحكم تحديدا والتي أضعفت وقسمت ايبيريا المسلمة وجشع النخب السياسية، كما وخسارة روح الدين التي ميزت الأندلس طويلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *