ثورات ضد كارلوس الخامس تنتهي بالإعدام ذبحاً

ثورات ضد كارلوس الخامس تنتهي بالإعدام ذبحاً

الصورة لوحة ذات موضوع تاريخي بامتياز. وهي للرسام الإسباني أنطونيو خيسبيرت(1834-1902). تُجسّد اللوحة إحدى الحلقات المثيرة التي عرفتها قشتالة القرن السادس عشر حادثة إعدام الإمبراطور شارلكان أو كارلوس الخامس هابسبورغ ( 1500 – 1558) ملك إسبانيا وإمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة، في 1521 لزعماء ثورة قشتالة: باديا، برابو وملدونادو.

اندلعت انتفاضة قشتالة في مرحلة من عدم الإستقرارالسياسي التي امتدت جذورها إلى فترة وفاة إيزابيل الكاتوليكية (1504). وصل كارلوس الخامس لأستورياس بشمال غرب إسبانيا آتِيًا من الفلاندر أو المنطقة الفلاماندية. تسلَّم ممتلكاته الإسبانية في 1516. ثم قدِمَ لبلد الوليد. كل ذلك دون أن يجيد التحدّث بالقشتالية. اصطحب برفقته عدداً هائلاً من نبلاء ورجال الدين الفلمنكيين، مما أثار حفيظة نخبة المجتمع القشتالي. رأى الإسبان في تسلم كارلوس الأجنبي والغريب عنهم عرش إسبانيا تهديداً لمصالحهم ولمكانتهم الإجتماعية والسلطوية.

وصلت عدوى الإحتجاج والسخط للطبقات الشعبية مما أدى لاندلاع حالة من الغضب الشعبي العارم. فظهرت كتابات ساخرة لأشخاص مجهولي الهوية بالكنائس نذكر من بينها ما كتبه أحد الثوار المجهولين:
” إنَّكِ يا أرض قشتالة لشقِيةٌ وملعونة. كيف لمملكة نبيلة مثلك أن تُحكَمَ من أشخاص لا يكنون لها أي ذرة حب”.

هذا وقد أُثقِلَ المجتمع القشتالي بضرائب متتالية تزامنت مع خروج الملك كارلوس لألمانيا. كلها عوامل أدَّت إلى قيام سلسلة من الثورات. اتخدت الإنتفاضة طابعاً مؤسساتياً منسقاً. ورُشحت الملكة خوانا الملقبة بالمجنونة لتسلم العرش الإسباني كبديل عن ابنها كارلوس. خاصة أن قصة العلة العقلية التي أصابت خوانا لطالما تأرجحت بين الحقيقة المرضية والمآمرة السياسية.

استمرت الثورات من 1520 إلى 1522 وعمَّت عدة مناطق. وعرفت تمركزاً قويا بطليطلة وبلد الوليد. اعتُبِرَت مادة دسمة أغنت الدراسات التاريخية والإنتاجات الفكرية والفنية مع مواقف ومنهجيات تبدو أحياناً متناقضة. تَعتَبرُ بعض الدراسات الإنتفاضة كثورة ضد الملكية، بينما ترى أخرى أنها أولى الثورات البورجوازية التي عرفها العصر الحديث. انتهت الثورات بمعركة بيا لار. في 23 من أبريل لسنة 1521 ، وبعد مضي حوالي سنة على اندلاعها وجَّه كارلوس الخامس ضربته القاضية على الثورة في معركة بيالار ببلد الوليد. وفي اليوم الموالي تم إعدام زعمائها خوان دي باديا، خوان برابو وفرانسيسكو مالدونادو. تفكك جيش الثورات بجل المناطق القشتالية مع بقاء طليطلة وحيدة في انتفاضتها لغاية فبراير 1522.

تُحيل لوحة أنطونيو خيسبريت (كما يتبين في الصورة أعلاه ) على حادثة إعدام زعماء الثورة عقب هزيمتهم بمعركة بيالار. تتطور أحداث المشهد بجانب سقالة الإعدام. تتحرك الشخصيات وراء أفق سماء متدّثرة بإزارٍ كئيب. وكأنها اسودّت من شدة الحنق. لذا لم تشرق الشمس الوضّاحة في لوحة الإعدام. فلقد أصدرت سلطات كارلوس مرسوماً يقضي بأن تكف الشمس عن الإشراق! يتمركز خوان دي باديا وسط اللوحة ليشكل بذلك محورها الرئيسي . يُنصِت لكلمات الراهب الذي يُطلعه بإشارة من يده على السماء في إحالة على الآخرة. لم يفقد الزعيم دي باديا كرامته في حيثيات اللوحة على الرغم من قساوة الظروف والمشهد. ينظر بشرود لجسد خوان برابو المذبوح والمُلقى أمامه أرضاً. يبدو هادئاً وصامتاً، فيما تفيد المشاعر الضريرة أو الكلمات البائسة، ويداه خامدتان كالحجر مقيدتان أمامه وإن لم تشتكيا يوماً القِصر!.

يُطلِع منفذ الإعدام الرأس المنفصل عن جثة صاحبه للعامة. بينما يفك آخر رباط جثة برابو الملقاة أرضاً، تعكس ملابس برابو الفاخرة مكانته الإجتماعية الهامة وإن غدت جحيما فوق بقايا جسد. يظهر فرانسيسكو مالدونادو في فضاء اللوحة الأول، يستعد للصعود لسقالة الإعدام، يمشي دون سيقان على قلق المسافة والمدى، يشرد بعينيه، ينسى خلفه أين ترك يديه، بينما يطلعه راهب عجوز على صليب صغير الحجم.

عَمِل الرسام أنطونيو على تقديم الشخصيات -الضحايا بنفس الثقل والوزن والأهمية. بينما تمركز المشهد الدرامي بالأساس حول شخصية دي باديا التي احتلت محور اللوحة. نحضر ثلاثة مراحل متسلسلة من مراحل الإعدام: الإنتظار، الذبح، الصعود للسقالة. الشيء الذي يبدو موزّعاً حسب الأماكن التي تشغلها الشخصيات في الفضاء التصويري. استخدم أنطونو تقنية الرسم من الخلف ليعطي انطباعاً للمتلقي وكأنه متفرج يحضر ويشاهد عملية الإعدام. ﺍﻟﻜﻞُّ ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﺍﺏ اللوحة ليعانق الحرية ﺇﻻّ شخصياتها تظل هناك ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ تنتظر معانقة وطنٍ لا يعرفها.

800px-Villalar-2006

جانب من احتفالات منطقة بيالار ببلد الوليد بذكرى معركة بيالار

 

تعتبر منطقة بيالار اليوم رمزاً للحرية السياسية. لا زالت ذكرى معركة بيالار تُخلَّد إلى يومنا هذا تحت اسم ‘يوم قشتالة وليون’. إذ تقوم ساكنة بيالار ببلد الوليد في 23 من أبريل لكل سنة بتكريم ضحايا المعركة. ويتميز اليوم بإلقاء خطابات سياسية، وفعاليات لعروض موسيقى شعبية ورقص تقليدي، ورياضات محلية وأنشطة ترفيهية.

 

سميرة فخرالدين

المواضيع ذات الصلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *