تغطيات خاصة : مؤتمر الأندلس تاريخ نعيشه
تحت رعاية مركز التشريع الإسلامي والأخلاق بالدوحة وبالتعاون مع فريق أندلسي، نُظمت أمس (18 أبريل 2015) ندوة بعنوان “الأندلس تاريخ نعيشه” امتدت على مدار ثماني ساعات كاملة شارك فيها نخبة من المتخصصين على رأسهم الدكتور عبد الجليل التميمي والدكتور إبراهيم الزيد والدكتور محمد الشنقيطي والدكتور المختار الأحمر بالإضافة للزميلتين منى حوا وداليا راشد من فريق أندلسي. وقد حضر الندوة مجموعة كبيرة من المهتمين بالتاريخ الأندلسي والقضية الموريسكية أغلبهم من الشباب.
وقد انقسمت الندوة إلى ست جلسات، بدأها الدكتور الشنقيطي بحديث عن التعايش الديني في الأندلس وتطرق الحوار إلى شرح مفهوم الأمة من الوجه الاعتقادي والسياسي والديني والجغرافي وكيف كانت وثيقة المدينة المنورة هي أفضل مثال لما تم تطبيقه في الأندلس من استيعاب للهويات المتعددة وعدم اختزال الهوية في بعد واحد فقط.
ثم تطرق بعدها الدكتور إبراهيم الزيد إلى الحديث عن رؤيته الشخصية للتجربة الأندلسية وكيف كانت حضارة الأندلس نتاجاً للاندماج الذي حدث بين المسلمين الفاتحين وأهل البلد الذين إما أسلموا وإما بقوا على ديانتهم دون إجبار، فكانت هذه الحضارة حضارة إنسانية الإسلام هو عمودها الفقري، صممها وأخرجها بعدما جمع المسلمين والقوط والصقالبة. وقد أوصى الزيد العاملين على تاريخ الأندلس وقضيتها بالاستدامة والاستمتاع بالعمل، كذلك ألمح إلى أهمية الاهتمام بجمهور المستمعين ومخاطبتهم كل بما يناسبه، فأطفال المسلمين وجب توعيتهم وتعريفهم بتاريخ الأندلس وحضارتها، بينما ينبغي مخاطبة المثقفين العرب بخطاب يعالج النقاط الجدلية وكذا مع الأسبان أنفسهم. وقد ألمح الدكتور التميمي في مداخلة بضرورة إقامة حوار بين المؤرخين العرب والأسبان لعلاج مشكلة قلة الأبحاث العربية مقارنة بانتاج الأسبان أو الأمريكان.
في الجلسة الثالثة، تحدثت الأستاذة كلثم السويدي عن المقاربة بين طوائف العصر الأندلسي وطوائف العصر، حيث تطرقت إلى الورقة البحثية التي أعدها الأستاذ عادل البشتاوي والتي حاول فيها التركيز على أنسنة التاريخ، وقد تطرقت بعض التعقيبات والمداخلات على هذا الموضوع إلى فتح الأندلس، حيث دار نقاش حول تلك الجدلية الشهيرة عن دخول الاسلام الى الاندلس هل كان فتحا أم احتلالا ، وقد عقب الدكتور الشنقيطي على ذلك بالتأكيد على ضرورة عدم اجتزاء أو اقتطاع التاريخ من سياقه وأشار إلى أن السمة الغالبة على العصور السابقة أن الغلبة للقوة حيث لا قوانين دولية ولا علاقات دبلوماسية تحكم العلاقات بين الدول أو تقر سيادتها وتمنع الاعتداء على هذه السيادة بعكس ما يحدث اليوم من إسرائيل من انتهاكات لهذه الأعراف الدولية.
وقد استكمل الدكتور المختار الأحمر الحديث عن نفس الموضوع في الجلسة الرابعة والتي حملت عنوان “جدلية الأندلس بين الفتح والاحتلال” حيث قام بطرح منهجيته في الرد على الأقوال التي تردد أن فتح الأندلس لم يكن إلا احتلالا، وخلص إلى أمرين، أولهما أن فتح الأندلس لم يقم به المسلمون وحدهم بل لقد ساعدهم سكان الأندلس الأصليون غير المسلمين لشعورهم بالظلم من الحكم القوطي، وثانيهما أن هذا الفتح لم يكن أصلا فتحا عسكريا ،حيث لم يشارك في هذا الفتح ما يزيد عن عشرين ألفا، وإنما كان فتحا فكريا.
أما الجلسة الخامسة ، فقد تحدث فيها الدكتور عبد الجليل التميمي عن رحلته مع القضية الموريسكية منذ وجد رسالة أهالي غرناطة للسلطان العثماني سليم الثاني وهم يستنجدون به لإنقاذهم من ويلات محاكم التفتيش، ومرورا بالجهود غير العربية أو الإسلامية نحو القضية – لوي كاردياك كمثال – وانتهاء بمناشدته المستمرة لملك أسبانيا وحكومتها بضرورة الاعتذار للمسلمين الموريسكيين أسوة بما فعله البرلمان الأسباني مع اليهود المهجرين عام 1992 في ذكرى مرور 500 عام على سقوط غرناطة، وقد أوضح التميمي أن هذا الاعتذار إنما هو لإقرار أن دور العرب والمسلمين كان إيجابيا في الحضارة.
وقد اختتمت الندوة بكلمة للزميلة منى حوا أكدت فيها مرة أخرى على ضررورة الاهتمام بقضية الموريسكيين بصفة خاصة والأندلس بصفة عامة، موضحة أن تجرع الفلسطينيين الآن لمرارات الظلم لا يعني أبدا تجاهل ظلم شبيه حدث منذ خمسة قرون وأن التعايش ليس مجرد شعار ولا يمكن تطبيقه أبدا إلا في وجود العدل.
ثم أسدل الستار على هذا اليوم الحافل بعد تكريم الدكتور عبد الجليل التميمي على جهوده في خدمة القضية طوال نصف قرن، بالإضافة إلى تكريم رعاة المؤتمر.
حررّه مدونو : الطريق إلى الحضارة