تطيلة – Tudela
استقليت القطار من مدينة سرقسطة وبعد حوالي نصف الساعة أو أزيد بقليل وصلت إلى محطة قطار توديلا دي نافارا، وهو إسم مدينة تطيلة حاليًا، غادرت المحطة فلم أجد محطة للحافلات أو سيارات أجرة، اذاً كيف يتنقل أهل هذه المدينة، عدت إلى محطة القطار لم أجد بها سوى شخص واحد خلف شباك التذاكر فسألته عن أي وسيلة تنقل في المدينة، فقال لي انه هنا فقط من أجل قطع التذاكر، تركت محطة القطارات خلفي وتابعت السير في الطريق وانا لا أعلم الى أين، حاولت استخدام برنامج الخرائط المثبت على جهازي المحمول ولكن أصابه عطل مفاجئ، في هذه الأثناء رأيت إمرأة ترتدي الحجاب فإقتربت منها وألقيت عليها السلام، وبعد أن تعارفنا علمت إنها من المغرب وإنها تعيش في هذه البلدة، سألتها هل هذا الطريق يؤدي إلى وسط المدينة؟ قالت لي: نعم من هنا، سألتها: وإلى الساحة الكبيرة والكاتدرائية؟ فقالت لي لا أعلم أين هذه الساحة ولا الكاتدرائية، ثم تذكرت اسم الشارع التجاري الذي يقع في وسط المدينة، فقلت لها: هل شارع سرقسطة من هنا؟ فإبتسمت وقالت لي نعم من هذا الإتجاه. فشكرتها ثم قمت بتصوير محطة القطار حتى لا أضل الطريق أثناء رحلة عودتي إلى سرقسطة فقد كنت أنوي قضاء اليوم في تطيلة ثم العودة مساءًا.
- شوارع مدينة تطيلة
بدأت السير في هذا الطريق إلى ان وجدت لافتة كتب عليها شارع سرقسطة اذاً فأنا وصلت فعلًا إلى وسط المدينة بعد حوالي عشر دقائق فقط من السير، وجدت بعض اللافتات التي تشير إلى طريق الكاتدرائية اتجهت يسارًا ومررت بعدّة دروب جميلة وضيقة ذكرتني بأحد أحياء مدينتي الإسكندرية، كما ان بعض هذه الدروب والمنازل ذكرتني بحي البيازين في غرناطة، ثم واصلت السير في هذه الدروب الخالية تمامًا من المارة إلى ان وصلت إلى الساحة المسماة Plaza de los Fueros
- شوارع مدينة تطيلة
حسنًا وجدت أخيرًا بعض سكان هذه المدينة يجلسون على المقاهي المحيطة بالساحة ورأيت بعض التلاميذ أثناء عودتهم من المدارس، وهي ساحة مربعة الشكل تحيط بها المباني السكنية وبعض المقاهي، وتقع في منطقة فاصلة بين أحياء مدينة تطيلة القديمة والحديثة وتعتبر نقطة إنطلاق لأحياء تطيلة القديمة، وعبر التاريخ أطلق على هذه الساحة العديد من الأسماء مثل ساحة الثيران وساحة مدريد والساحة الجديدة، إلى ان أطلق عليها في عام 1893 اسم الساحة الحالي Plaza de los Fueros
- Plaza de los Fueros
ثم اتبعت اللافتات مرة أخرى حتى وصلت إلى كاتدرائية تطيلة التي بُنيت على أنقاض المسجد الجامع الكبير الذي بناه موسى بن موسى بن فرتون من أسرة بني قسي والذي كان يحكم المدينة حكمًا ذاتيًا هو وأولاده من بعده حتى قضى عبد الرحمن الناصر على نفوذ هذه الأسرة التي كانت تحالف تارة ممالك النصارى في الشمال وتارة الدولة الأموية في قرطبة.
للأسف كانت كاتدرائية تطيلة المعروفة بإسم سانتا ماريا مغلقة في ذلك الوقت فإكتفيت بمشاهدتها من الخارج وإلتقاط بعض الصور، ومن وصف مسجد تطيلة الذي بُنيت الكاتدرائية على أنقاضه انه كان يضارع في الفخامة مسجد سرقسطة الكبير المسمى المسجد الأبيض، يوجد بالكاتدرائية نافذة ذات قوسين توأمين على الطراز الإسلامي الأندلسي وكذلك بها بعض أعمدة المسجد القديم كما استعملت في تجميل الكاتدرائية عقود من سقف جامع تطيلة.
- كاتدرائية تطيلة
ومدينة تطيلة كان يحكمها قبل الفتح الإسلامي الكونت كاسيوس القوطي الذي سافر بعد الفتح الإسلامي للأندلس إلى دمشق وأسلم على يد الخليفة الوليد بن عبد الملك واتخذ اسم جديد وهو قسي وظل هو وأولاده وأحفاده يحكمون تطيلة كمنطقة حكم ذاتي ومن أشهر شخصيات أسرة بنو قسي هو موسى بن موسى بن فرتون الذي سيطر بجانب تطيلة على مدينة سرقسطة ووشقة وطليطلة وناجرة وبقيرة وقلعة أيوب وبرجة، وأسس مدينة قلعة موسى التي تقع في منتصف الطريق بين مدينتي تيرويل وسرقسطة.
شيد له الإسبان تمثال في احد الميادين الصغيرة في تطيلة عام 1996 واضعين الهلال على عمامته رمزًا للإسلام وكُتب على التمثال عبارة موسى ملك الإيبرو – ونهر الإيبرو كان يسميه المسلمون نهر إبرة – حيث كان يمتد نفوذه في المُدن التي تقع في حوض هذا النهر في القرن التاسع الميلادي.
- تمثال موسى بن موسى
يقول ياقوت الحموي عن مدينة تطُيِلَةُ :
مدينة بالأندلس في شرقي قرطبة تتصل بأعمال أسقة وهي اليوم بيد الروم شريفة البقعة غزيرة المياة كثيرة الأشجار والأنهار اختطت في أيام الحكم بن هشام.
أما كلمة الروم فيقصد بها مملكة أراغون وكانت كلمة الروم تطلق على نصارى أوروبا بشكل عام في العصر الإسلامي ، وأما مدينة أسقة يعني بها مدينة وشقة، ولكن العبارة الأخيرة عن أن المدينة أخطت في عهد الحكم يتعارض مع كونها كانت مدينة مستقلة منذ عصر القوط يحكمها الكونت كاسيوس الذي أسلم وظلّ يحكم هذه المنطقة، كما إن تاريخ المدينة يرجع للعصر الروماني والإستكشافات الآثرية الحديثة عثرت على بعض الآثار التي تعود للحقبة الرومانية، على أي حال فهذه هي مدينة تطيلة الصغيرة الهادئة التي لا يوجد بها آثار أندلسية، ولكنها تحمل روح الأندلس من خلال شوارعها الضيقة ومنازلها الصغيرة ذات الطابع الأندلسي، يمكن قضاء عدّة ساعات في تطيلة دون الحاجة إلى وسائل تنقل فقط من خلال السير على الأقدام يستطيع الزائر مشاهدة كل معالم المدينة سواء القديمة أو الحديثة، وتذكرة القطار ما بين عشرة إلى ستة يورو فقط.
- تطيلة
سقطت مدينة تطيلة في عام 1119م حسب المراجع الإسبانية أو عام 1117م حسب المراجع العربية على يد ألفونسو الأول المعروف بإسم ألفونسو المقاتل ملك أراغون ونافارا ، وعند سيطرته على تطيلة أجبر المسلمين على الإنتقال والسكن خارج أسوار المدينة، وقام بهدم المسجد الجامع وأقام مكانه كاتدرائية سانتا ماريا، ثم تم طرد جميع المسلمين الموريسكيين من هذه المدينة في سنة 1610م.
وتطيلة هي مسقط رأس الشاعر “التطيلي الأعمى” أحمد بن عبد الله بن هريرة القيسي الأعمى التطيلي، أقام في إشبيلية في زمن المرابطين وكان يلقب بمتنبي الأندلس ويبدو ان أمورًا حدثت له جعلته يضيق بالمقام في إشبيلية فقال فيها:
مللتُ حِمصَ وملّتني فلو نطقت كما نطقتُ تلاحينا على قدرِ
وسولت لي نفسي أن أفارقها والماء في المُزن أصفى منه الغُدُرِ
ولكنه لم يفارقها وتوفي فيها في النصف الأول من القرن السادس الميلادي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
عبد الله عنان ، دولة الإسلام في الأندلس
عبد الله عنان ، الآثار الأندلسية الباقية في أسبانيا والبرتغال
الإمام ابن حزم الأندلسي ، جمهرة أنساب العرب
معجم البلدان ياقوت الحموي
مللتُ حِمصَ وملّتني فلو نطقت كما نطقتُ تلاحينا على قدرِ
وسولت لي نفسي أن أفارقها والماء في المُزن أصفى منه في الغُدُرِ
شكرا على هذا المقال ونرجو المزيد خاصة عن المدن الاسبانية الصغيرة أو القرى التي لجأ اليها المسلمون هربا من الاسبان وبالتوفيق