بيدرو مارتينيز مونتابيث
المستعرب الإسبانى الأكثر شهرة والأكثر نبلًا فى العصر الحديث
ولد فى بلدة خودار بمقاطعة جيّان عام 1933 التى كانت تعمها انذاك الإضرابات العمالية والحياة البائسة، توفت والدته وهو فى سن الثالثة وبعد قيام الحرب الأهلية الإسبانية رحل إلى مدريد مع والده، ويصف بيدرو مارتينيز نفسه فيقول “انا طفل الحرب الاهلية وما بعد الحرب، وذلك يعنى انه من بداياتى تشكلت لدى سلسلة من الخبرة والتجارب التى كان لها أثر واضح فى حياتى وعالمى، فعندما أرى الموت والجوع والفقر والدمار أجدنى اعرف هذا جيدًا واشعر به فقد مررت به من قبل. ولكنى رجل متفائل أحب الحياة بعمق وعندى ثقة عمياء فى بهجة الحياة والأمل”
بيدرو مارتينيز مونتابيث هو أهم مستعرب ومستشرق اسبانى فى العصر الحديث له دور رائد فى بناء جذور التواصل بين الثقافتين العربية والإسبانية وله جهود كثيرة فى جمع المستعربين الإسبان والمستعربين فى أمريكا اللاتينية بالمتخصصين العرب باللغة وبالثقافة الإسبانية.
درس فى كلية الآداب واختار أثناء دراسته دراسة اللغة العربية كمادة اختيارية وذلك بسبب تأثره بكتاب كان قد قرأه باللغة الإسبانية اسمه “قصائد عربية أندلسية” هذا بالإضافة إلى حبه للشعر بشكل عام، وبعد استكمال دراسته للغة العربية والتاريخ عمل مدير المركز الثقافى الاسبانى فى مصر فى الفترة من 1958 إلى 1962 كما عمل رئيسًا لقسم اللغة الإسبانية فى كلية الألسن جامعة القاهرة، وقام بدراسة تاريخ مصر القديمة، وبدأت فى هذه الفترة على حد وصفه مغامرة مثيرة لإكتشاف الناس من خلال لغة واحدة وهى العربية، وتعرف هناك على عدد من الأدباء المصريين أمثال نجيب محفوظ، ويوسف السباعى، وصلاح عبد الصبور، ويوسف ادريس، ويصف بيدرو مارتينيز الفترة التى عاشها فى مصر بإنها كانت أجمل أيام حياته على الإطلاق.
حصل على الدكتوراه فى الفلسفة والأدب “اللغات السامية “من جامعة كومبولتنس بمدريد حيث درس بها فى الفترة من 1962 إلى 1969 وشغل منصب استاذ كرسى التاريخ الإسلامى فى جامعة إشبيلية، وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة غرناطة وجيان واليقنت، ثم انتقل إلى جامعة مدريد المستقلة وشغل فيها منصب نائب عميد ثم عميد للجامعة وفى الفترة من عام 2003 الى 2007 قام بتدريس اللغة العربية فى كلية الفلسفة والآداب بنفس الجامعة اذ شغل منصب أستاذ كرسى فخرى وهو المنصب الذى يحال له اساتذة الجامعات بعد سن السبعين، كما ترأس الجمعية العربية الإسلامية، ومعهد الدراسات الشرقية والإفريقية وترأس جمعية الصداقة الإسبانية العربية، والجمعية الإسبانية للدراسات العربية، وكان عضو فى مجمع اللغة العربية فى عمان، كما شغل منصب رئيس جمعية أصدقاء الشعب الفلسطينى.
يُعرف المستعرب والمستشرق الإسبانى بيدرو مارتينيز مونتابيث بإيمانه الصادق بإن العنصر العربى والإسلامي يشكّل أحد المكونات الرئيسية للثقافة الإسبانية ولشخصية المواطن الإسبانى، ويقول إن الثقافة العربية والإسلامية ليست بعيدة عنا بل هى قريبة جدًا منا، فتجد التأثيرات العربية والإسلامية موجودة فى الفن الإسبانى وفى الأدب الإسبانى وفى المأكولات الإسبانية وفى العادات والتقاليد الإسبانية.
يعتقد بيدرو مارتينيز ان إسبانيا تتوافر فى مدنها وقرها وتراثها الثقافى ما يمكن أن يجعلها مكانًا ملائمًا لإجراء دراسات اكاديمية عربية واسلامية لما يتوافر فيها من آثارعربية، ويقول عن هذا ان الجمال العربى والإبداع العربى والآثار العربية والإسلامية كل هذا نستطيع ان نجده فى اسبانيا وخاصة فى الجنوب.
وينتقد بيدرو الاستشراق الغربى بشكل عام موافقًا بدرجة كبيرة ما جاء فى كتاب الإستشراق لإدورد سعيد ويقول ان غالب المستشرقين الغربيين خلال فترة من فترات حياتهم كانوا دون شك يساعدون الاستعمار.
وبالاضافة لدفاعه عن العرب والإسلام عُرف عنه أيضًا دفاعه عن الشعب الفلسطينى منذ الستينيات فى الوقت الذى كان أغلب المفكرين والمثقفين الإسبان يقفون فى صف الصهاينة، وكان له دور كبير فى تعريف المجتمع الاسبانى بالقضية الفلسطينية، وبحق الشعب الفلسطينى، ويقول بيدرو مارتينيز أنا أحب الشعب الفلسطينى وأدافع عن حقوق الشعب الفلسطينى حقه فى العودة الى وطنه حقه فى الحياة فى دياراه والتنزه فى شوارعه والإقامة فى وطنه، وقد كلفه موقفه هذا الكثير فطوال حياته لم يتم تعينه قط فى أى منصب دبلوماسى فى اى بلد عربى فى حين حصل عليها غيره من المستشرقين الاسبان.
كان مجدد فى الأدب وأول من درّس فى إسبانيا الشعر العربى الحديث مثل أشعار محمود درويش وعبد الوهاب البياتى.
ركّز فى أعماله على مجال الفكر والأدب العربى ودراسة التراث الأندلسى واللغة العربية قام بترجمة العديد من أشعار محمود درويش ونزار قبانى وعرّف الشعوب الناطقة بالإسبانية على أدب نجيب محفوظ من خلال ترجماته كما ترجم أشعار جبران خليل جبران وترجم لأدونيس، وقدم العديد من الكتب للمجتمع الإسبانى مثل “قصائد الحب العربية” و”شعراء المقاومة الفلسطينية” و”قصيدة فلسطين” وكتب العديد من الأبحاث والكتب مثل “لماذا العراق؟” و”مأساة العرب الكبرى” و”العالم العربى وتغيرات القرن” و”العرب والبحر الأبيض المتوسط” و”تطلعات الغرب والحرمان العربى”.
نال بيدرو مارتينيز العديد من الجوائز مثل جائزة التضامن مع العالم العربى من جمعية الصحفيين العرب فى إسبانيا، وتم منحه جائزة الشيخ زايد للكتاب والتى تم منحه فيها لقب شخصية العام الثقافية عام 2009، وجائزة الميدالية الذهبية الأندلسية عام 2010، وتم تكريمه فى بلدته جيّان اكثر من مرة وتم منحه الدرع الذهبى للمدينة، ونال لقب الابن البار للمدينة.
يقول بيدرو مارتينيز لا يزال الشاعر الإسبانى الأندلسى يمتلك كل ما هو عربى وشرقى ويتحسس به لأنه يجده فى المنزل الذى يعيش فيه، والكتب التى يقرأها والموسيقى التى يستمع إليها ويطرب بها، فهو يستلهم من هذه المعارف والمشاهد أشعاره وأفكاره ويتأثر بذلك الماضى المشترك العريق ويحن له.