في مرثيّة الأندلس الشهيرة، يقول أبو البقاء الرُندي:
” فاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً)، وأينَ (شاطبةٌ) أمْ أينَ (جَيَّانُ)”
هنا شمل أربع مدن من الأندلس في مقطع واحد، سنحدثكم اليوم عن بلنسية أولى هذه المدن.
بلنسية أو فالنسيا كما تسمى أيضًا هي ثالث أكبر المدن “الإسبانية” مساحة بعد برشلونة ومدريد، وإذ عرف عن قرطبة أصص والورود وآنية النباتات المنتشرة بين حاراتها الضيقة فإن بلنسية عرفت بالميادين الفسيحة الواسعة. في بلنسية معالم إسلامية كثيرة خلّدت لجذورها الممتدة، ففيها بقايا أطلال حصن المنارة وفيها الجامع الكبير الذي تحول إلى كتدرائية كحال جلّ مساجد الأندلس، وفيها أيضًا شوارع مازالت حتى هذه اللحظة تحمل اسمها العربي مثل شارع الرصافة.
هذه المدينة التي تقع في شرق الأندلس كانت تحاكي ما نعرفه اليوم بدول اللجوء السياسي إبّان عهد ملوك الطوائف؛ حيث إحتمى بها عدد كبير من المفكرين والكتّاب والأدباء والسياسيين الأندلسيين الهاربين من بطش “ملوك الطوائف”، نذكر من الأسماء الشهيرة التي فرّت إليها الشاطبي وابن الآبار وابن اللبانة وابن خفاجة والرصافي وابن الزقاق وكثير غيرهم وقد تغنوا بها بقصائد جميلة رقيقة!.
لا يمكن زيارة مدينة بلنسية أو فالنسيا في “إسبانيا” دون الوقوف على أحد أبرز رموزها التاريخية، وهو كاتدرائيتها الكبرى، اليوم يملؤها صدى الترانيم الذي يتردد بين أرجائها وقد تسمّت باسم كتدرائية “العذراء”. في عهد المسلمين بالأندلس كانت هذه الكنيسة هي ”الجامع الكبير” الذي لم يُخمد فيه آذان طوال قرون متعاقبة، سقطت بلنسية عام 1238م،أي بعد سقوط قرطبة بسنتين فقط.
نترككم مع صور مختارة من هناك.