كتاب الفتوحات العربية فى روايات المغلوبين للصحفي والباحث اللبنانى حسام العيتانى هو محاولة لإلقاء الضوء على ما عنته الفتوحات العربية بالنسبة إلى الشعوب التى جاءها العرب المسلمون الأوائل، وذلك لإنه بالرغم من احتلال الفتوحات العربية حيزًا كبيرًا من الروايات العربية وقيام عدد كبير من المؤرخين العرب بتدوين أخبار الفتوحات والحديث عن أعمال البيزنطيين والفرس لكن هذه الروايات لم تستند إلى المصادر الأصلية لكتّاب الشعوب المغلوبة.
يحاول هذا الكتاب سرد قصص الفتوحات العربية كما رآها ثم رواها إخباريو بيزنطة وفارس ومصر والشام والصين والأندلس وغيرهم الذين أغفلتهم روايات المؤرخين العرب، فالعناية مطلوبة للأخذ بالروايتين، ما يرسمه العرب والمسلمون من صورة عن أنفسهم وبين ما يراه العالم فيهم.
والفتوحات العربية الإسلامية موضوع شديد التعقيد ويكفي الإطلاع على الروايات المتباينة التى توردها المصادر العربية لأحداث عملية الفتوحات التي امتدت على نحو قرنين من الزمان فى ثلاث قارات ليدرك القارئ صعوبة الإحاطة بها برواية واحدة متماسكة منطقيًا ومتسلسلة تاريخيًا، وعند دخول المصادر والمراجع غير العربية وغير الإسلامية إلى محاولة صياغة من وجهة نظر أخرى مع كل ما فى هذه المصادر من تناقضات وعواطف ومشاعر قومية ودينية مصابة بجروح فى الكبرياء رأوا فيها أن الإسلام يهددهم، يمكن تخيل حجم الصعوبات التى ترتفع أمام كل مبحر في المكتبات القديمة.
لذلك نضع بين أيديكم هذا الكتاب الذى اعتمد على مصادر ومراجع سريانية وبيزنطية وفارسية وعربية والذى يحاول فيه الكاتب اظهار هذه الروايات وطرحها للنقاش والتدبر بعيدًا عن الإنحياز فلا هي محاولة تسويد أو تبيض صورة الفتوحات بل تتلخص فى نقل كلام هؤلاء إلى حيز الوعي النقدي العربي، وضمه إلى ما يكون صورة العرب عن أنفسهم قديمًا بعيدًا عن المبالغات من الجانبين.
تحدث هذا الكتاب عن أصل العرب وتاريخهم القديم قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلاقتهم بالفرس والروم وتحدث عن فتح سوريا ومصر وفارس والأندلس كما ناقش الكتاب العلاقات اليهودية العربية قبل وأثناء الفتوحات، كما يطرح الكتاب العديد من الأجوبة على بعض التساؤلات التي وردت فى كتب الشعوب المغلوبة مثل هل حقًا ساعد اليهود المسلمين والعرب فى الفتوحات؟ وهل حرضوهم لتخريب المعالم المسيحية؟ كما أن الكتاب يلقي الضوء على نظرة النصارى إلى هذه العلاقة العربية اليهودية وكيف كانوا يعاملون اليهود، وكيف كانوا ينظرون إلى العرب، وهل حسّنت الفتوحات العلاقات بين النصارى واليهود؟ وماذا عن رأى بعض الكتب المسيحية في أن العرب ينفذون إرادة اليهود نظرًا لعلاقة النسب بينهم.
كما يجاوب الكتاب عن بعض التساؤلات التى وردت فى ما كتبته الشعوب المغلوبة عن الفتوحات العربية على سبيل المثال فى مصر هل قام عمرو بن العاص بحرق مكتبة الإسكندرية؟.
كيف كان حال الدولة البيزنطية عشية الفتوحات العربية وهل وقعت فى مفاجأة تاريخية وبالمثل لأحوال دولة الفرس.
أما بالنسبة للأندلس فقد خصص الكاتب جزء تكلم فيه عن الشعوبية الأندلسية التى ربما وجدت لها أرض خصبة فى الأندلس بسبب تفكك الدولة الأموية، ويعطى لنا مثال على ذلك أبو عامر أحمد بن غارسية البشكنسى الذى يعد المثال الأبرز للشعوبية الأندلسية والذى كان يقوم بتبخيس العرب وأصلهم وعاداتهم وتعظيم الصُهُب الشُهُب.
ويذكر الكاتب انه وعلى الرغم من أن المسيحين واليهود احتفظوا في الأندلس بوجود قوى ومنظم إلا أن حركة الإنتقال إلى الإسلام جذبت أعدادًا كبيرة منهم وسرعان ما أصبح المسلمون الأندلسيون الناطقون باللغة العربية هم أكثرية السكان.
كما يشير إلى كتابات ألفارو أسقف قرطبة فى القرن التاسع إذ يقول: “كُثر من أبناء ديني يقرأون شعر وقصص العرب وكتابات الفقهاء والفلاسفة المحمديين، ليس لدحضها بل ليتعلموا كيف يعبّرون بلغة عربية سليمة وفصيحة، أين نجد اليوم رجلًا عاديًا يقرأ تفسير الكتاب المقدس باللاتينية؟”.
كما ناقش طبيعة العلاقة بين أهل الأندلس نصارى ومسلمين ويهود وعرض قصة الكاهن أولوجيوس عن ما يعرف بحركة شهداء قرطبة أو “القديسين الشهداء” التي كان مؤيدًا لها خلافًا لرأس الكنيسة الأندلسية التى عارضتها معارضة قاسية وصلت إلى حد إلقاء الأسقف ريكافرد عددًا كبيرًا من الرهبان والكهنة المؤيدين لحركة الشهداء فى السجون بينهم أولوجيوس نفسه والذى كتب هذه القصة وهو سجين.
وغيرها من الروايات التى توضح طبيعة الحياة في الأندلس بعد الفتح العربي الإسلامي من وجهة نظر المغلوبين.
كتاب الفتوحات العربية فى روايات المغلوبين هو كتاب يعرض وجهة نظر لم يتطرق إليها الكثيرين من قبل اتفقنا أم اختلفنا معها ولكنه يبقى كتاب جيد ومميز يستحق القراءة ادعوكم لتحميله وقراءته. للتحميل اضغط هنا
هذه المدونة رائعة
أأنا استاذة ادب مقارن و لي دراسة مستفيضة عن كتاب طوق الحمامة في الالفة واللاف لابن حزم الاندلسي
مدونة مليئة بالكنوز والافكار وملهمة وحافزة على التفكير والتأمل
تحياتي والى مزيد من الانجاز