عاش الموريسكيون فى القرن السادس عشر والسابع عشر فى مستوى ثقافي متدني فإذا كانت الأمية تسيطر على أغلبية النصارى القدامى يمكننا أن نتصور الدرجة التى يمكن أن تبلغها حالة الموريسكين ومع هذا فقد وجد بينهم طبقة مثقفة فى وضع متردي.(1) فيذكر “غونزاليث دافيلا” إن بين الموريسكين كان يوجد عدد لا بأس به من الأطباء والكتّاب والصيادلة، أما “فيرنانديث بيغا” فقد أشار إلى أنّه فى إحصاء 1594 لمدينة جيرينا كان يوجد بين الموريسكين صيدلى وطبيب وكاتب ووكيل ضريبي ومحامي، فى حين أن “جراثيا أرينال” قد وجدت بين الموريسكين فى كوينكا فقط كاتباً وجراحاً ومجبّراً.
وكانت توضع عراقيل كثيرة فى طريق ذوي النسب العربى الذين يمارسون الطب رغم ما لديهم من كفاءة ودرجة أكبر من الإعداد وربما رغبة في الإندماج، وبالرغم مما كان للمسلمين من مدرسة طبية مجيدة وقديمة.
وفي جلسة للمجالس البرلمانية لعام 1607م اعلن نائب طليطلة أنه يوجد الكثير من الحاضرين من الموريسكين وهذا سيؤدى إلى أن تفقد المهنة الصيت والإعتبار وسيصل اليوم الذي يكون فيه كل الأطباء وصيادلة المملكة من الموريسكين وسيكون في أيديهم حياة الجميع!.
أما محاكم التفتيش فقد كانت تشتبه في أن عمليات المعالجة تتم لوجود تحالف مع الشيطان!
وعندما رأى الأطباء الموريسكيون أن المجتمع يعتبرهم أطباء دجالين على الرغم من تكوينهم المهني الذي لا يستهان به حاول بعضهم الوصول إلى أعلى درجة من الإحتراف لكن عندئذ تدخلت الحواجز العنصرية.
وبصورة عامة فإن الطبيب الموريسكى كان يعالج الطبقات الفقيرة لأن الطبقة الأرستقراطية كانت تفضل أن يعالجها طبيب من المسيحيين القدامى وليس موريسكي “مسيحى حديث” ولكنهم كانوا يذهبون إلى الطبيب الموريسكي عندما تكون حالة المريض ميئوس منها.(2)
وقد كان للطبيب الموريسكى “خيرونيمو باتشيت” زبائن من أرقى طبقات المجتمع من بينهم تجّار أغنياء إيطاليون وقد أدّى نجاحه الكبير إلى أن يتم دعوته للمجالس البرلمانية وأن يصطدم كثيراً بزملائه النصارى القدامى، وهو كذلك أحد الأطباء الموريسكين الكثيرين الذين مثلوا أمام محاكم التفتيش التى اتهمته بإن لديه شيطاناً من الأسرة وبفضله قام بشفاء الحالات المستعصية التى أعطته صيتاً كبيراً. (3)
ومن المفارقات العجيبة أن الطبيب الموريسكي “خيرونيمو باتشيت” قد لجأ إليه الأمير “فيليب الثالث” عندما مرض وعجز الأطباء النصارى عن إيجاد علاج له فى حين نجح “باتشيت” في شفائه من مرضه و”فيليب الثالث” هذا هو الذى أصبح ملك لإسبانيا فيما بعد وقام بطرد الموريسكيون من الأندلس. (4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المسرح الكنسي لأبيلا وتاريخ فيليبي الثالث.
2- هؤلاء الموريسكيون كانوا يداوون مرضى القلب الذين يأس الأطباء المسيحيون من حالتهم (بليدا – الدفاع عن العقيدة)
3- يدرج جارثا باجيستر خارطة بالأماكن التى ينحدر منها 14 طبيب موريسكي حاكمتهم محكمة التفتيش فى بلنسية ولا تزال محفوظة محاكمتهم. “الممارسة الطبية الموريسكية والمجتمع المسيحي” محاضرة فى الأكاديمية الملكية للطب فى غرناطة 1975.
4- تاريخ الموريسكيون “حياة ومأساة أقلية” تأليف الإسبانى أنطونيو دومينغير هورتز والفرنسى برنارد بنثنت ترجمه عبد العال صالح طه – تقديم وتنقيح محمد محى الدين الأصفر.