الشتات الأندلسي/الموريسكي يُعمِّر مصر “أم الدنيا”
“….في الحياة المدنية، كان الأندلسيون/الموريسكيون في مصر، وحيثما أقاموا، أوفياء لما عُهِد عنهم في بقية المَهَاجِر التي احتضنتهم من حيوية ونشاط دؤوب حيث أخذوا منها الأمن والاستقرار وأعطوها التقدّم والرخاء والازدهار.
“المنطقة الشمالية من الدّلتا الواقعة في شمال إقليم الغربية (محافظة كفر الشيخ حاليا) كانت (…) أكثر المناطق التي تركّز فيها الموريسكيون فقد كانت هذه المنطقة منخفضة الكثافة السكانية أو معدومة، وقد أنشأ الموريسكيون في هذه المنطقة عددا كبيرا من القرى”، يقول الدكتور حُسام محمد عبد المعطي في كتابه “العائلة والثروة، البيوت التجارية المغربية في مصرالعثمانية” أن هؤلاء الوافدين الجدد أطلقوا على البلدات والقرى التي أنشأوها “أسماء أقرب إلى أسماء مدنهم في الأندلس”.
ويذكر حسام عبد المعطي بعض النماذج عن هذه الإنجازات العمرانية ذات الاسماء الاندلسية التي يُرجِّح نسبَتها إلى الموريسكيين فعلى غرار الحمراء، الحمراوي، إسحاقة، أريمون، محلة موسى، سيدي غازي، كفر الشيخ، سدّ خميس، الناصرية، محلة دياي وقطور…إلخ.
كما عَمَّر الأندلسيون/الموريسكيون شمال مدينة الإسكندرية العتيقة، وكان تواجدهم بها كثيفًا في منطقة “الجزيرة الخضراء” أو ما يسميه المؤرخون “المدينة التركية” . وقد سُمِّيتْ هذه المنطقة بـ: “الجزيرة الخضراء” تيمّنا بالجزيرة الخضراء الأندلسية، وأُطْلِقَتْ على أهم أحيائها أسماء مستوحاة من “الفردوس المفقود” على غرار حيّ الشَّاطبي، نسبة إلى شاطِبة، والمنشية، نسبة إلى لاَ مَانْشَا، وغيرها …
وكان حضورهم على قدر من الكثافة، مما جعل سكان هذه الجهات يشتكون إلى السلطات المركزية في القاهرة من أن “المغاربة القادمين من المغرب بنوا بيوتهم بجزيرة الثغر حتى تعدّوا على مقابرهم. ورغم ذلك فقد جاءت أوامر الباشا بعدم التعرُّض للمغاربة وعدم منعهم من البناء. وكانت حارة البَلّْقَطُرِيَّة واحدة من تسع حارات تتكوَّن منها الإسكندرية”. ويُقصَد بـ: “بلّْقطرية” أبناء القَاطُورِيِّين، وهم الموريسكيون الذين كانوا يُسمَّوْن في مصر آنذاك بـ: القاطوريين نسبة إلى صناعة تقطير الزّهر التي كانت حرفة أندلسية/موريسكية بامتياز شبه محتكَرة من طرف الدّْيَاسْبُورَا الأندلسية في كل المَهَاجِر التي استقرتْ فيها. وفي العديد من الحالات تحوَّلت هذه الصفة المِهنية إلى لقبٍ عائلي لم يسْلِم منه حتى أحمد المقري صاحب “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب” وأسرته التي كانت تقيم في الإسكندرية قبل انتقال عدد من أفرادها إلى القاهرة.
وقد عثر الباحث المصري حسام محمد عبد المعطي على وثائق أرشيف مصرية تُلقِّب عائلةَ المقري بعد وفاته بـ: القَطُورِي.
وكان حضورُ هؤلاء الأندلسيين/الموريسكيين، الذين يُسَمّون مجازا “المَغارِبة”، في منطقة رشيد “مهما جدا” من حيث كثافته، يقول حسام محمد عبد المعطي، وفي طنطا التي اشتهر فيها آنذاك “أحدُ أهم المشايخ المغاربة وهو الشيخ بدوي” .
أحفاد هؤلاء الأندلسيين والموريسكيين ينتشرون اليوم في كل البقاع المصرية، نذكر منها عائلات: ابن نقيطَة التي هاجرت إلى مصر في القرن 16م قادمة من مدينة طليطلة الإسبانية، حَمِيد التي وصلت أرض الكنانة بداية القرن 17م وهي من قرطبة مثلها مثل عائلة الحوني، وعائلة دِيلُونْ عام 1620م، وجبريل التي رحلت من قرطبة إلى مصر بداية القرن 17م، وغروش التي جاءتها في القرن 16م، والعادِلِي ، الصَّبَّاحِي ، والطّرُودِي….”.