الرياضيات العربية ودورها في تطوير التراث العلمي الأوروربي (2)

بعد نشر كتاب الخوارزمي في الجبر، سمحت دراسة الفصول الأولى من التّخصص الجديد (المبنية على الخوارزميات القديمة، ذات الأصل البابلي ربما) بمعالجة مسائل جديدة وتمهيد الطريق أمام توجهاتٍ جديدة. كان هناك في البداية إدخال أعداد حقيقية موجبة في المعادلات وحل الجمل من قبل أبو كامل (ت. 930)، واستخدام سنان ابن الفتح (القرن العاشر) لمفهوم أحادي الحد من أي رتبة الذي أتاح تعميم المعادلات القانونيّة. 220px Image Al Kitāb al muḫtaṣar fī ḥisāb al ğabr wa l muqābala الرّياضيات العربيّة ودورها في تطوير تراث علمي أوروبي (2)

استمر هذا النّهج وتم تطويره في القرنين الحادي عشر والثاني عشر من قبل الكرخي (ت. 1029)، والسموأل اللذان وضعا عناصر جبر كثيرات الحدود. بهذه المناسبة تم إدخال الصّياغة الرمزيّة لأول مرة، والمتمثلة في الجداول، لتنفيذ بعض العمليات الحسابيّة كالضرب، وحاصل القسمة أو الجذر التربيعي لكثيرات الحدود. في هذه الأثناء، وبعد بعض الإخفاقات والمحاولات الجزئية المختلفة لرياضيي القرنين التاسع والعاشر، تمّ النجاح خلال القرن الحادي عشر، في وضع نظرية هندسية للمعادلات التّكعيبيّة.

كان هذا عمل عمر الخيام (ت 1139). تم تطوير هذه المساهمة في القرن الثاني عشر من قبل شرف الدين الطوسي (ت 1213).

نعلم أن كتب الجبر للخوارزمي ( 850 م) وكتب أبو كامل شجاع بن أسلم قد وصلت إلى اسبانيا في وقت مبكر. وقد دُرِّست ووضعت عليها ملاحظات مطولة. ثم منذ بداية القرن الثاني عشر، تمّت الاستفادة من ترجمات ومن قراءات جديدة، لاتينية وعبرانية. وينطبق الأمر ذاته بالنسبة لكتب القياسات التي تستخدم الخوارزميات الجبرية، والتي تعالج مسائل تتعلق بتقليد شرقي لما قبل الاسلام.

لكن يبدو أن المستخدمين الأوروبيين لم ينتظروا التّرجمات ليعرفوا المزيد عن العلوم التي كانت جديدة بالنسبة لهم. في الواقع هناك أدلة ثابتة تسمح لنا بتأكيد أنّه منذ القرن العاشر استطاع الطلاب والعلماء من إسبانيا وإيطاليا ومن وسط فرنسا والذين كانت لديهم معرفة كافية باللغة العربية، الوصول إلى محتوى علم الجبر العربيّ ولو بشكلٍ جزئي.

الكتابان اللذان أتينا على ذكرهما يمثلان الكتابات الجبرية العربية الوحيدة التي نقلت بشكلٍ أمين. أما بالنسبة لجميع لكتابات الأخرى، وبالأخص التي نشرت في المشرق خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر فلا يمكننا إلا الاكتفاء ببعض التّخمينات. في الواقع، لم ترد إسهامات رياضيي هذه الفترة ضمن أي من الكتابات العلمية الغربية المعروفة.

بالنسبة لابن الخيام والطوسيّ، فإن غياب الفصل المتعلق بمعادلات الدرجة الثّالثة (المعادلات التكعيبيّة) في الكتابات الغربية التي وصلتنا، أيضاً صمت المترجمين الأوروبيين، وبالأخص الشهادة غير الدّقيقة لابن خلدون تسمح لنا بالقول بأن هذه الاعمال لم تصل للغرب الاسلامي أو أنها لم تكن هدفاً للتّعليم والبحث.

بالنسبة للرياضيين المجددين السّابقين للخيام، وإن لم يرد ذكرهم، فإن بعض مساهماتهم وردت إما ضمن كتاب الجبر المختصر لابن بدر الأندلسي (القرن الثاني عشر) أو ضمن كتاب الأصول والمقدمات لابن البناء المراكشي (ت. 1321م)، أو ضمن كتاب مص الرحيق للقطرواني (القرن الخامس عشر). ولكن لا يبدو أن هذه الاعمال الثلاثة قد كانت معروفة عند الرياضيين الأوربيين.

-حقوق الترجمة والنشر محفوظة لشبكة مترجَم | Moutarjam

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *