دروقة مدينة أندلسية تقع جنوب غرب سرقسطة وتبعد عنها ب 86 كم، يقطنها حاليًا حوالي 2400 نسمة، الكثير من المصادر الإسبانية تتحدث عن دروقة كمدينة غائرة في التاريخ سكنها الفينيقيون والرّومان وكانت مهدًا للمسيحية، ولكن لم تثبت هذه الإدّعاءات علميًا ولم تسند المكشوفات الأثرية هذا الطّرح بل أن كلّ ما في دروقة يشير إلى الأصل الإسلامي لدروقة، وأنا أساند هذا الطّرح ليس تحيّزًا بل لعدم اقتناعي بالرواية الإسبانية بعد زيارتي للمدينة والاطّلاع على هندستها وعلى ما كتب حولها من بحوث(1).
أتى ذكرها على يد بعض المؤرخين العرب كما يأتي:
مدينة بالأندلس من عمل قلعة أيوب عظيمة في سفح جبل، وعلى مقربة منها كنيسة أبرونية لها ثلاثمائة باب وستون باباً، وهي من إحدى عجائب البنيان. وقيل بين دروقة وبين قلعة أيوب ثمانية عشر ميلاً، وهي مدينة صغيرة متحضرة كبيرة العامر كثيرة البساتين والكروم، وكل شيء بها كثير رخيص، وبينها وبين سرقسطة خمسون ميلاً. (2)
ومن مدينة قلعة أيوب في جهة الجنوب إلى قلعة دروقة ثمانية عشر ميلاً ودروقة مدينة صغيرة متحضرة كثيرة المياه غزيرة البساتين والكروم وكل شيء بها كثير رخيص ومن دروقة إلى مدينة سرقسطة خمسون ميلاً (3)
الأرجح أنّ مدينة دروقة، بنيت في القرن الثّامن في أوائل أيّام الفتح الإسلامي في عهد موسى بن نصير، وأوّل وثيقة تتحدث عن المدينة ترجع إلى سنة 831 ميلادي، وتشير إلى إقامة عائلة بني المهاجر من قبيلة التجيبيين اليمنية وتذكر دروقة كمدينة ذات أهمّية كبيرة في شمال الأندلس، انتقل حكم دروقة إلى بني قاصي (بني قصيّ) الطّائفة المولدّية القويّة بين 850م و862م، ثمّ استُرجعت إلى حكم قرطبة من قبل محمّد بن عبد الرحمن الّذي أعاد عليها بنو تجيب.
بقيت دروقة في حكم بني تجيب إلى عهد عبد الرحمن الناصر الذي خانه يونس بن عبد العزيز التجيبي متحالفًا مع بني قصي في سرقسطة، فدخلها عبد الرحمن سنة 936 بجيوشه ففر منها يونس نحو سرقسطة، توالى الأمراء على دروقة بدءًا بالحكم من بن المنذر إلى أن سقطت الخلافة الإسلامية فعادت دروقة إلى بني تجيب وكوّنت مع قلعة أيوب وسرقسطة طائفة التجيبيين، وكانت فترة حكم التجيبيين من أزهر فترات دروقة لكنّها ما لبثت أن انتهت بسقوط بني تجيب وقيام طائفة بني هود القويّة عام 1039.
تقهقر أمر دروقة مع تقهقر طائفة بني هود و تقسيم الملك بين أبناء سليمان بن هود. وأفِل ذكرها إلى غاية قدوم المرابطين حيث قاوم بنو هود هجومات المرابطين، وصمدت دروقة وضواحي سرقسطة بعد أن خان بنو هود واستعانوا بالسيد القمبيطور أحد ألّد أعداء الإسلام.
دخل المرابطون دروقة في نهاية فترتهم في الأندلس بعد أن استُبيحت الأندلس وهرب النّاس وطغى النّصارى ولم تلبث دروقة أن سقطت في يد الأذفنش المحارب “ألفونسو البطايادو (المحارب)” سنة 1120 ميلادي، لتنتهي بذلك دروقة المسلمة وكان آخر من بقي بها من الموريسكيين قد طُرد بعد حملة الطرد سنة 1609م وكان عددهم 58 عائلة.
(1) الآراء الخاصّة لا تعتبر سندا و لا تمثّلُ إلاّ صاحبها
(2) الروض المعطار في خبر الأقطار للحميري
(3) نزهة المشتاق في اختارق الآفاق