الصورة لمحراب مسجد جامع ألمرية. انطمر المحراب لقرون طويلة ولم يُعد اكتشافه إلا في الثلاثينات ( من القرن العشرين) من طرف عالم الآثار الإسباني ليوبولدو توريس بلباس L. Torres Balbas. حيث اختفى مع التحول المعماري الذي شهدته البناية على إثر تحويلها من مسجد إلى كنيسة بعد سقوط المدينة. وفي سنة 1987 وأثناء القيام بأعمال صيانة وتجديد للمسجد، المتحول حاليا لكنيسة، تحت إشراف المهندسين المعماريين فيرنانديث مارتينيث Fernandez Martinez و باستور رودريغيث Pastor Rodriguez تم العثور على سلسلة من اللوحات الجبسية المنقوشة على حائط القبلة فوق فجوة المحراب. وهي اكتشافات تمنح معلومات جديدة وتصورا واضحا لما كان عليه مسجد ألمرية في القرن العاشر.
مثير للانتباه فقر المحراب لعنصر الديكور وقلة الآثار التي حوفظ عليها بالمسجد بشكل عام من زمن الأندلس، إلا أنها آثار غنية ومتنوعة. تُشكل شواهد معمارية هامة وتؤرخ لحقب زمنية مختلفة :
– عصر الخلافة ( اللوحات التي سيتم دراستها في هذا الموضوع بالإضافة لتيجان بعض الأعمدة).
– عصر ملوك الطوائف (الآثار الجبسية ذات الزخرفة النباتية التي تم اكتشافها خلال الحفريات).
– العصر الموحدي (أقواس فجوة المحراب).
أُنجزت عدة أبحاث ودراسات تتطرق لعمارة مسجد ألمرية من طرف كل من
توريس بلباس L. Torres Balbas
و
إوِرت C.Ewert
باعتبار عمارة مسجد جامع ألمرية أحد المعالم الأندلسية الإسلامية الهامة بالرغم من الآثار الخجولة التي حُوفِظَ عليها من فترة الأندلس. ترتكز هذه الدراسات على تحليل مختلف مراحل البناء التي مر بها الجامع و تسليط الضوء على مختلف المراحل الزخرفية التي عرفها.
يُعتبر محراب مسجد ألمرية عنصرا معماريا أساسيا للمسجد. يضم آثارا موحدية. ومن أهم ما يميزه أيضا لوحاته الجبسية المكتشفة سنة 1987 و التي تعود لعصر الخلافة. وهي عبارة عن خمس لوحات ولكن فقط ثلاثة منها حافظت على طابعها الأندلسي بينما غطَّت دعامات مسيحية التشييد البقية.
تماثل لوحات المحراب ، المكتشفة سنة 1987 ، هندسيا وفنيا بعض الآثار الزخرفية لمسجد قرطبة. تندرج تقنية زخرفاتها ضمن فن النحت السائد في عهد الخلافة. تعود جميعها للقرن العاشر. وتنتمي لعالم الخلافة التقليدي أي عالم مدينة الزهراء وحقبة العملية التوسعية التي عرفها جامع قرطبة.
يؤكد العثور على هذه اللوحات الجبسية صحة الفرضية التي قدمها توريس L.Torres Balbas حول تاريخ تشييد مسجد جامع ألمرية. تم تشييد المسجد حسب المهندس المعماري وعالم الآثار الإسباني ليوبولدو توريس بلباس (بالإسبانية: Leopoldo Torres Balbás ) الذي تخصص في دراسة الآثار الإسلامية الأندلسية، حوالي سنة 965م أي مباشرة بعد إنهاء أعمال المسجد الجامع لقرطبة.
أمر الخليفة عبد الرحمن الناصر بتشييد المسجد. ولكن تعود اللوحات المنحوتة المكتشفة زمنيا لفترة حكم ابنه الحَكَم الثاني. يستند العلماء في هذا التأريخ للشَبَه الحاصل بين اللوحات المكتشفة وبعض زخرفات المسجد الجامع لقرطبة التي تعود لفترة توسيعه على يد الحكم II. حيث كان أول ما أمر به الحكم الثاني “المستنصر بالله”( 915م – 976 م) تاسع أمراء الدولة الأموية في الأندلس وثاني خلفاء الأندلس بعد أبيه عبد الرحمن الناصر لدين الله، هو توسعة المسجد الجامع لقرطبة. أضاف إليه محرابًا ثالثًا و مقصورة خشبية. أنفق على عمارته 261,537 دينار. كما شيد قرب المسجد الجامع دار للصدقة و دار أخرى للوعاظ وعمال المسجد. و أمر ببناء منبر تكلّف 35,705 دينار.
كما تضم اللوحات المكتشفة بعض الزخرفات الدقيقة والشبيهة إلى حد كبير بزخرفات بعض اللوحات الجبسية التي تم العثور عليها بمدينة الزهراء. وللإشارة، لقد شهد عهد الحَكَم أيضًا استكمال بناء مدينة الزهراء التي ابتدأ بنائها أبيه وتولى الحَكَم بنفسه الإشراف على تشييدها في عهد والده، إلى أن تمت في عهده عام 365 هـ.
لم يكن مسجد ألمرية مخصصا للعبادة فقط وإنما نُظمت به أيضا حلق العلم و التدريس. اهتم حكام ألمرية بالعمران في المدينة ، فزاد خيران في بناء مسجد ألمرية عام 410 هـ، وأضاف زهير توسعة أخرى للمسجد. كما ابتنى المعتصم عددًا من القصور في المدينة، وجلب لها الماء، وأوصله إلى الجامع.
اتسع المسجد قديما لحوالي 9.000 مصلي. كان المحراب رباعي الزوايا ثم في عصر الموحدين جعلوه ثماني الأضلاع. كما زين بمصابيح كبيرة متعددة الألوان جُلبت من مكة. و كمسجد قرطبة، ضم مسجد ألمرية صحنا به شجيرات ليمون. كما توسطته نافورة استُخدِمَت للوضوء.
سقطت ألمرية في يد الإسبان في 26 ديسمبر 1489. فتحول المسجد لكنيسة سميت كنيسة القديسة ماريا Santa Maria ثم لكاتدرائية تحمل اسم Catedral de la encarnacion . أما اليوم فيسمى المسجد كنيسة سان خوان إيبانخليستا San Juan Evangelista أو سان خوان دي لا ألمدينا San Juan de la Almedina.
سميرة فخرالدين
مصادر
Le décor califal du Mihrab de la grande mosque d’Alméria, Madrider Mitteilungen, 31, 1990, pp428-439.
La decoracion califal del mihrab de la mezquita mayor de Almeria- nouevos descubrimientos. Patrice Cressier.
(Instituto de estudios almerienses de la diputacion provincial de Almeria. Departamento de historia.)