ثلاث إنقلابات فى غرناطة فى ثلاث سنوات

ثلاث إنقلابات فى غرناطة فى ثلاث سنوات

مرت مملكة غرناطة فى الفترة ما بين 760 – 763 هـ \ 1359 – 1362 م بأزمات سياسية واقتصادية شديدة جعلتها عرضة لإنقلابات متعددة فقط فى خلال ثلاث سنوات عانت المملكة من ثلاث إنقلابات سياسية متتابعة ذهب ضحيتها عدد من الملوك والقادة والأمراء.

حدث الإنقلاب الأول فى 28 رمضان 760 هـ 21 اغسطس 1359 م

وانتهى بخلع سلطان غرناطة أبى عبد الله محمد بن أبى الحجاج يوسف بن نصر “محمد الخامس الغنى بالله” ونفيه إلى المغرب وتولية أخيه أبى الوليد اسماعيل الثانى.

أما الإنقلاب الثانى فقد حدث فى 8 شعبان 761 هـ 25 يونيو 1360 م

وانتهى بقتل السلطان أبى الوليد اسماعيل بن أبى الحجاج يوسف بن نصر وإعتلاء قاتله عرش غرناطة، والقاتل هو أحد أبناء عمومته وزوج شقيقته ويدعى الرئيس أبا عبد الله محمد السادس “الغالب بالله” وتسميه المصادر الإسبانية المعاصرة بأبى سعيد البرميخو ومعناها بالإسبانية اللون البرتقالى الضارب إلى الحمرة وذلك نسبة إلى لون لحيته وشعره.

أما الإنقلاب الثالث الذى حدث فى 20 جمادى الأول 763 هـ 16 مارس 1362 م

فإنتهى بعودة السلطان المخلوع محمد الخامس الغنى بالله إلى عرشه بعد قتل السلطان البرميخو المغتصب.

 

وأسباب هذه الإنقلابات عديدة ومتشعبة، بعضها تمتد جذوره إلى وباء الطاعون أو الموت الأسود الذى عم المشرق والمغرب فى منتصف القرن الثامن الهجرى الرابع عشر الميلادى، وقد ذهب ضحيته فى مملكة غرناطة خلق كبير من العلماء والصناع والزراع فهلك الزرع والضرع وانتشرت المجاعات والأوبئة.

أما السبب المباشر لهذه الإنقلابات فيرجع إلى الحزازات الشخصية بين أعضاء الأسرة المالكة نفسها، فالمعروف أن السلطان الراحل أبى الحجاج يوسف بن نصر قد تزوج من إمرأتين من جورايه وهما بثينة ومريم، فأنجب من الأولى محمد وعائشة ومن الثانية اسماعيل وقيس وعدة بنات تزوج إحداهن أمير من الأسرة وهو الرئيس أبو عبد الله محمد المعروف بأبى سعيد البرميخو، وكان اسماعيل أصغر من أخيه محمد ولكن امه مريم حاولت أن تستغل حب السلطان لها فى أن تقيم ولدها اسماعيل وليًا للعهد بدلًا من أخيه الأكبر محمد، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل، وآل العرش بعد موت أبى الحجاج يوسف إلى مستحقه الشرعى وهو السلطان محمد الخامس الغنى بالله.

ولقد حاول هذا السلطان الجديد أن يرضى إخوته وزوجة أبيه مريم بشتى الوسائل، غير أن طموح هذه المرأة والأموال التى تركها لها زوجها السلطان دفعاها إلى التآمر سرًا مع زوج ابنتها البرميخو للتخلص من السلطان محمد وتوليه ابنها اسماعيل مكانه، وكان اسماعيل بدوره يضمر لأخيه محمد عداوة وحقدًا بسبب زواجه من ابنة عم لهما كان اسماعيل يحبها ويريدها لنفسه.

ونجح المتآمرون فى الوثوب ليلًا على قصر الحمراء وإقامة اسماعيل سلطانًا على غرناطة، غير أنهم لم ينجحوا فى قتل السلطان محمد الخامس لأنه كان مقيمًا وقتئذ فى جنة العريف وهى الحديقة المجاورة لقصر الحمراء، فحينما سمع بضوضاء المتآمرين وجلبتهم، ركب جواده وفر إلى مدينة وادى آش وتحصّن بها ثم رحل إلى مدينة فاس حيث قام فى كنف سلطان المغرب أبى سالم إبراهيم المرينى.

وأول عمل قام به سلطان غرناطة الجديد اسماعيل الثانى هو القبض على أنصار أخيه السلطان المخلوع ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم، وفر عدد من قادة الأندلس هربًا منه رافضين التعاون معه، كما استحل لنفسه الزواج من امرأة أخيه التى كان يحبها بعد أن أوعز إلى بعض الفقهاء تلفيق الفتاوى التى تقضى بصحة طلاقها من زوجها السابق.

استمر حكم اسماعيل عام واحد وكان عمره عشرون عامًا ثم ما لبث ابن عمه وزوج شقيقته أبو سعيد البرميخو أن طمع فى ملكه فقتله كما قتل شقيقه الأصغر قيس ومربيه عباد واستأثر بملك غرناطة لنفسه.

وفى محرم سنة 762 هـ 1361 م هاجرت أسرة السلطان المخلوع محمد الخامس كى تلحق بعاهلها فى فاس وكانت مكونة من زوجته وابنه وبعض الجوارى، ولم يسمح لهم أبو سعيد البرميخو المغتصب بحمل شئ من متاع الدنيا إلى الضروريات.

ويحكى لنا ابن الخطيب أحوال البرميخو المغتصب بإنه كان يضغط على رعاياه عن طريق زيادة الضرائب، وإنزال جنوده دورهم، وأضاق الرعايا بشؤمه، كما يتهمه فى سلوكه الشخصى بالخروج عن حرمة السلطنة وهيبتها كسيره عارى الرأس مشمرًا عن ساعديه، مخاطبًا العامة فى الطريق بصورة تثير الإشمئزاز، وبطريقة غاية فى الإفحاش والتبجح، هذا إلى جانب تعاطيه الحشيش الذى انتشر فى أيامه حتى شمل الخاصة والعامة. هذا الإنتشار للحشيش الذى أشار له ابن الخطيب أيدتها المساجلات الشعرية التى دارت بين شعراء غرناطة فى ذلك العهد حول تفضيل الحشيش عن الخمر!

مثال ذلك الشاعر الغرناطى ابن وحيد فى قوله:

وخضراء بل لا تفعل الخمر فعلها لها وثبات فى الحشا وثبات

تؤجج نارًا فى الحشا وهى جنة وتبدى لذيذ العيش وهى نبات

ولا شك أن الحشيش قد بدأ انتشاره فى المشرق ثم انتقل بعد ذلك إلى المغرب فى القرن الثامن الهجرى، ويبدو أن المغرب الإسلامى كان فى مأمن من تلك الآفة حتى القرن السابع الهجرى الثالث عشر الميلادى، والدليل على ذلك تلك الملاحظة التى أبداها الرحّالة الغرناطى ابن سعيد المغربى حينما زار مصر فى ذلك الوقت، إذ عاب على المصريين أكلهم للحشيشة مبينًا أن أمثال هذه العادات القبيحة لا توجد فى بلاده.

أما عن سياسية البرميخو الخارجية التى عرضها لنا ابن الخطيب فيشير الى انه تحالف مع ملك أراغون بدرو الرابع ضد ملك قشتالة بدرو الأول “القاسى” مما ادى بملك قشتالة إلى عقد صلح مع أراغون كى يتفرغ لمحاربة البرميخو، ثم ألح بدرو الأول على سلطان المغرب أبو سالم المرينى فى تسليمه السلطان محمد الخامس كى يتولى شد أزره فى استعادة عرشه وأرسل أساطيله وكبار قواده إلى الثغور المغربية للقيام بهذه المهمة، واضطر سلطان المغرب ان يضرب بوعوده للبرميخو عرض الحائط –اذ كان وعده بمنع السلطان محمد من العودة إلى الأندلس- وعمل بدوره على مساعدة السلطان محمد الخامس فى الرجوع إلى عرشه وأمده بالأموال والرجال والأساطيل وودعه من فاس فى حفل كبير.

وعاد السلطان الى ملكه وقتل البرميخو واستقبلته الناس بالفرح والسرور ويصف لنا ابن الخطيب ذلك بقوله : “استحضر السلطان فصعد إلى القبة ثم نزل وقد ألبس خلعة الملك وقيدت له فرس شقراء مطهمة، حليها ذهب بحت، ونشرت حوله الألوية، وقرعت الطبول، وركب السلطان وقد التف عليه كل من جلى عن الأندلس وبلى من رقة الناس وإجهاشهم وعلو أصواتهم بالدعاء ما قدم به العهد، إذا كان مظنة ذلك سكونًا وعفافًا وقربًا، وقد ظلّه الله برواق الرحمة، وعطف عليه وشائج المحبة إلى كونه مظلوم العهد منتزع الحق، فتبعته الخواطر، وحميت له الأنفاس، والله يعرفه عوارف عنايته، ويلحظه بعين رحمته”

 

اقتباسات من المجلد السابع والثامن من مجلة المعهد المصرى للدراسات الإسلامية بمدريد تقديم مختار العبادى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

ابن الخطيب، اللمحة البدرية فى الدولة النصرية، الإحاطة فى أخبار غرناطة، نفاضة الجراب فى علالة الإغتراب

ابن خلدون، العبر فى ديوان المبتدأ والخبر

المقرى التلمسانى، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب

ابن القاضى، درة الحجال فى غرة اسماء الرجال

تقى الدين المقريزى، الخطط المقريزيه كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار

المواضيع ذات الصلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *