قد يتساءل البعض: لماذا يتم الإهتمام بالخصوصية الروحانية لبلاس إنفانتي؟ والأحرى أن نتساءل: لماذا لا يتم الإهتمام بهذه الخصوصية؟.
سافر بلاس إنفانتي للمغرب في الخامس عشر من شتنبر لسنة 1924، سفرٌ سعى من خلاله البحث عن قبر المعتمد ببلدة أغمات الواقعة قرب مراكش. وصف بلاس إنفانتي هذه الرحلة ب ”الحج”. كل شيء حدث هناك، بمسجد صغير بأغمات، حيث نطق بلاس إنفانتي الشهادة و اعتنق الإسلام و أطلق على نفسه اسم أحمد.
مراكش هي مَحَجِّي، هي الحد الأقصى للأرض المُقدسة والمَعْبد. الآن فقط، انبعثَتْ كل الطقوس في خلجات الروح. الآن فقط، أصبح للروح صلاةً خاصة بها، واشتعلت الحماسة الدينية (…). الآن فقط، أستطيعُ أن أتوضأ بقيم مثمرةٍ من نافورة التاريخ، قِيَم وليدة ثقافة ادَّعت أنها عمياء، ثقافة اتخدَت باطن الأرض مَسكنًا، وتحدَّثَت بخطاب مبهم.ولا شك أنه إلى جانب رغبته بالإنصهار في الأصول الثقافية للأندلس، و استيعاب جوهر الفلسفة التي أيقظت عبقرية الأندلس، كانت زيارته لقبر الملك الشاعر، ملك إشبيلية وقرطبة المعتمد ابن عباد بمثابة حج.تجاوز إنفانتي بحثه عن المصلحة الفكرية وانصهر في عملية تكريم للملك بممارسة طقوس إسلامية. في أغمات، وعلى نهج الطقوس التي تجري في مكة المكرمة، وكطواف الحُجاج حول الكعبة، طاف إنفانتي حول القبر سبع مرات معاكسًا اتجاه عقارب الساعة.
يكتُب إنفانتي بهذا الخصوص:
من بين الأحكام أو الحقائق الذاتية التي تطورَت بداخلي خلال رحلتي لأغمات، تلك المُمارَسات الداخلية التي يتم الإعراب عنها بشيء من الأصالة و عن طريق مراسم أو طقوس دينية يقوم بها حُجاج بيت الله الحرام حول الكعبة. تُشكِّلُ شعائر الحج الإسلامية بمكة المكرمة بالنسبة لي ترجمة سحرية في أفعال مادية، إدراك إيمائي خارجي لأفعال داخلية مليئة بمعانٍ عميقة. معانٍ تُعبِّر عن دينامية روحية لا تتحقق إلا مع كل حجٍ صحيح.
لم تتوقف علاقة بلاس إنفانتي بالإسلام في أغمات، وإنما استمرت طوال الحياة. يتجلَّى ذلك في كتاباته، و في حديثه عن مفهوم الغزو بدل الإسترداد، وفي منزله المزين بلوحات للخط العربي صممها بنفسه.
إن الدراسة الجادة لنموذج ”بلاس إنفانتي المسلم” قد تفتح الباب لأبحاث هامة حول تأثير الإسلام في الفكر السياسي لإنفانتي.لا كمجرد حنين رومانسي لأندلس أسطورية.وقد تُنعش أيضا منظورا آخر من التأويلات كتلك التي تتعلق بمناهضته للنظام الإقطاعي .