في عز الربيع العربي، وبينما كان آلاف المتظاهرين يسقطون كضحايا للقمع العنيف الممارس عليهم من قبل حكوماتهم، انشغلت إسبانيا بتصدير أسلحة ومعدات دفاعية إلى البحرين والسعودية ومصر تزيد قيمتها عن 10.5 مليون يورو. هذا ما أعربت عنه البيانات الصادرة عن وزارة الإقتصاد والتي تم تقديمها إلى الكونغرس مع تطورات الربيع العربي، بيانات اعتبرها إئتلاف منظمات الحد من الأسلحة “مثيرة للقلق بشكل خاص”.
سبق أن نددت كل من منظمة العفو الدولية، مؤسسة السلام، منظمة السلام الأخضر و أوكسفام على موافقة الحكومة الإسبانية على تصدير معدات عسكرية على الرغم من “إمكانية استخدامها في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان”.
“هناك إطار قانوني نقوم بتقييمه بإيجابية في الوقت المناسب، ولكن في المقابل يبدو أن هناك نقص في الإرادة السياسية، كما أن المصالح التجارية تتقدم على القيم التي تدّعي الحكومات الدفاع عنها.” يصرّح “فرانسيسكو أورتيغا” المتحدث باسم منظمة العفو الدولية في تجارة الأسلحة لموقع “بوبليكو”.
سبق أن نبّهت هذه المنظمات الحكومة الإسبانية لإجرائها بين كانون الثاني/ يناير وحزيران/ يونيو 2011، عمليات من الممكن أن تكون قد انتهكت المادة 8 من القانون 53/2007 الذي ينظم صادرات معدات الدفاع والشرطة المصنعة بإسبانيا. تنُّص هذه القاعدة على وجوب عدم الإستجابة لطلبات الحصول على أي ترخيص، ووجوب تعليق أو إلغاء التراخيص المُسلَّمة:
“عندما يكون هناك اشتباه في إمكانية استخدام معدات الدفاع (…) في أعمال تهدد السلام، الإستقرار أو الأمن سواءً على المستوى العالمي أو الإقليمي، أو في أعمال قد تؤدي إلى تفاقم التوترات أو الصراعات الكامنة، أو عند الإشتباه في إمكانية استخدامها بطريقة مخالفة للإحترام المطلوب ومناقض لمفهوم الكرامة المقترن بالذات الإنسانية، أو لإدارة قمع داخلي أو في حالات تعرف انتهاكًا حقوق الإنسان”.
على الرغم من أنه من الصعب معرفة الطريقة التي استخدمت بها الأسلحة في بلدان المقصد على وجه دقيق. يؤكّد “أورتيغو” أن ذلك “ليس مبررًا”. كما يصرح أن “وضع البحرين لا يلبث أن يكون مقلقًا منذ وقت طويل وأن انتهاك حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية لا زال مستمرًا”.
لكن التقرير يعكس أنه تم بالفعل إلغاء تراخيص التصدير، كما تم مراجعة جميع التراخيص المعتمدة منذ2006 في كل من تونس ومصر وغيرها من بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط التي تعرف صراعات مماثلة.
لماذا تقوم بعض البلدان بتطبيق القانون بينما تمتنع أخرى عن ذلك؟ “نحن ندعو إلى مزيد من الإتساق وإلى تطبيق القانون، الشيء الذي لم يتم تحقيقه بصورة منهجية”. هكذا يصرح فرانسيسكو يرمو، المسؤول عن أنشطة الدعوة الإنسانية لمنظمة أوكسفام.
من بين البيانات التي عملت مجموعة المنظمات غير الحكومية على تحليلها، تتجلى بعض العمليات “المقلقة” والمتمثلة في مبيعات للأسلحة استفادت منها بلدان أخرى تخضع بدورها لعمليات شديدة العنف. نذكُر على سبيل المثال، الحرب التي يشنها كالديرون ضد تجارة المخدرات والتي أودت بحياة 50000 شخص، وفقا للأرقام الصادرة عن الحكومة المكسيكية نفسها، وللدراسة التي أقيمت بهذا الخصوص. خلال النصف الأول من عام 2011، بلغ حجم صادرات هذا البلد إلى 57,7 مليون يورو، كما تم الترخيص لعمليات أخرى بلغت قيمتها ال 150000 ألف يورو.
نفس الشيء ينطبق على باكستان؛ حيث يشير التقرير إلى أن “الأطراف المساهمة في المواجهة الواقعة بين الدولة وجماعات البلوش تسببت في انتهاكات لحقوق الإنسان”. وفي هذا الوضع، بلغت صادرات المعدات الدفاعية إلى 536.000 يورو، كما تم الترخيص لثلاث عمليات إضافية ليبلغ المجموع 10,2مليون يورو.
بلغ مجموع مبيعات إسبانيا من الأسلحة خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2011، 1.164,58 مليون يورو. تخشى المنظمات أن تتزايد نسبة مبيعات الأسلحة إلى البلدان التي تحدث فيها انتهاكات حقوق الإنسان وإعطاء الأولوية للمصالح التجارية. “في ظل السياق الإقتصادي الحالي والتخفيضات التي تمنحها وزارة الدفاع، يتمحور انشغالنا وبشكل عام حول إشكالية توجيه المزيد من المبيعات المباشرة خارج اسبانيا لا داخلها، و التوتر الذي يمكن أن ينجم عن الإخلال بالمادة 8 من القانون في حالة توجيه الإهتمام نحو تحصيل الإيرادات”. يؤكد يرمو.
سبق للمنظمات غير الحكومية المشاركة في حملة “الحد من الأسلحة”، كمنظمة العفو الدولية، أوكسفام و منظمة السلام إلى جانب معهد الدراسات حول النزاعات والعمل الإنساني، أن قامت بصياغة تقرير يركز على موضوع بيع معدات الدفاع ذات الإستخدام المزدوج ومواد أخرى (أسلحة الصيد و الأسلحة الرياضية ومعدات الشرطة) وذلك خلال النصف الأول من عام 2011.
خلال هذه المرحلة، وعلى الرغم من تبني تدابير لمراقبة تجارة السلاح الموجهة إلى بلدان شمال إفريقيا و الشرق الأوسط، تشير هذه المنظمات إلى استمرار تصدير المعدات إلى كل من البحرين والمملكة العربية السعودية و مصر “مما يزيد من خطر استعمالها في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان”.
على وجه التحديد، تلقت القوات المسلحة في المملكة العربية السعودية أسلحة ومعدات دفاع ومعدات ذات استخدام مزدوج بقيمة 3530000 يورو، كما تم السماح لهذا البلد بإجراء عمليات إستيراد تقدر ب29,63 مليون يورو لاقتناء طائرات وقنابل وصواريخ وقذائف.
تلقت البحرين معدات بقيمة 6,35 مليون يورو في باب “البلديات، الأجهزة والأعضاء”؛ وتزايدت استيرادات القوات المسلحة المصرية لتصل إلى 79 مليون يورو، في فئة الطائرات وفئة مركبات لجميع التضاريس.
سبق للمنظمات غير الحكومية أن أعربت عن “قلقها” خاصة إزاء حالة المملكة العربية السعودية، وأكدت على ضرورة تقديم الحكومة السعودية معلومات عامة وتفصيلية حول بعض عمليات استيراد الأسلحة، وتوقف العديد منها ك “تدبير احترازي”، وجعلها مشروطة بضمانات وبنظام للمساءلة لتفادي استخدامها في “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان”.
أعربت حملة “الحد من الأسلحة” عن قلقها أيضًا إزاء الصادرات نحو بلدين “متورطين في مسارات حلزونية من العنف”: المكسيك، التي تلقى جيشها حسب التقرير تحويلات بلغت 75 مليون أورو؛ وباكستان التي استوردت معدات دفاع إسبانية (قطع غيار للطائرات) تبلغ قيمتها أكثر من نصف مليون يورو.
اعترفت المنظمات غير الحكومية، التي سبق أن حثت وزير الدولة للتجارة “خايمي غارسيا لي لِيغاث” للمثول أمام الكونغرس لشرح تفاصيل الصادرات في النصف الأول من عام 2011، بحدوث “بعض التقدم” في السيطرة على المبيعات الموجهة إلى دول في شمال أفريقيا خلال الربيع العربي. ومع ذلك، فهي تعتقد أن تجارة الأسلحة لا تزال تشمل عمليات “بالكاد تفي بالمعايير اللازمة في مجال حقوق الإنسان ” والثابتة في كل من اللوائح الإسبانية والأوروبية.
أمام الأزمة الإقتصادية وتقلص ميزانية وزارة الدفاع، تخشى المنظمات غير الحكومية زيادة المبيعات الخارجية ووضع “الأيادي الحكومية المُحفِّزة” لتلك الصادرات المصالح التجارية فوق القانون.
سميرة فخرالدين