يتهمنا كثيرون بالجري وراء مخيلات التاريخ، فيسخرون من سرد الأحداث وحكايات الملوك والمعارك، ربما لم تكن الذاكرة العربية بعيدة عن المبالغة والتضخيم، لكنها مقارنة بغيرها تبقى أكثر قرباً للواقع منه للخيال خاصة فيما يتعلق بماضينا الأندلسي.
تحكي الذاكرة الشعبية أنه كان في غابر الزمان، ملك عربي قوي يحكم غرناطة يدعى باديس بن حبوس*، قرر وضع طلسم يقيه أعداءه، فاستدعى منجماً عربياً ليعينه بقدرات الجان على ذلك.
كان المنجم يدعى إبراهيم بن أبي أيوب وتزعُم الحكاية أنه عاش في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وأعان المسلمين على فتح مصر، حيث التقى فيها “ساحراً مصرياً أفضى إليه بسر يتعلق بكتاب سليمان الحكيم الذي هو بحوزة الكاهن الأعلى المدفون بأحد الأهرامات المصرية. وتذكر الحكاية أن المنجّم ابن أبي أيوب لجأ إلى الدهاء والحيلة حتى وصل إلى مومياء الكاهن المصري، وهناك مزَّق عنه الأكفان واستولى على الكتاب الذي كان يضمه الكاهن إلى صدره، وعرف من هذا الكتاب الكثير من أسرار التنجيم والسحر”.
وتمر السنون ويهاجر المنجّم ابراهيم إلى أرض ابن حبوس، و لقِدم خبرَته يستعين به هذا الأخير في وضع طلسم سحري يحمي غرناطة من هجمات أعدائها.
“فما كان من المنجم إلا أن تقدم عارضاً وسيلته وهي تعويذة سحرية تتألف من مجسم كبش وآخر لديك، “ديك الطقس”، يوضعان في برج يُبنى لذلك خاصة، وبينهما فارس ٌيحمل رمحاً وترساً فإذا ما اقترب الأعداء من إحدى الجهات تحرك المجسم فيصيح الديك ويوجه الفارس رمحه في اتجاه الخطر.
وأمام ذلك كله توجد رقعة تشبه رقعة الشطرنج يصطف فيها جنود يرمزون لجند باديس وآخرون يرمزون لجند الأعداء، وما على ابن حبوس في حال الخطر إلا أن يوَّجه الفارس لطعن أولئك الجنود فينقشع الخطر في الحال.
ويكافئ باديس بن حبوس المنجّم العربي، فيمنحه ـ بناءً على طلبه ـ كهفاً وأثاثاً وفراشاً وثيراً فاخراً ومجموعة من الراقصات والجواري الحسان يقمن على خدمته.”.
تمر الأيام و يُفاجأ بن حبوس بصياح الديك، وتنكيس الفارس لرمحه.
فتسلّق البرج لينظر في الرقعة فإذا جنوده الذين يصطفون فوقها صرعى.
ووسط الإحساس بالخيبة والذعر يرسل جنده للاستقصاء فيعودون بعد أيام ويخبرونه أنهم لم يجدوا أثراً للأعداء ولكنهم عثروا على فتاة نصرانية بارعة الجمال فاصطحبوها أسيرة.
و يحضر جنود ابن حبوس إليه النصرانية، فيشغف بها الملك والمنجم معاً يوهيمان في حبها، واحتال المنجم على سيده بأن وصف له مدينة إرم التي ورد ذكرها بالقرآن الكريم، وأوهمه أن يستطيع بناء مدينة مثلها ذات بوابة كبيرة يُنقش عليها طلسم اليد والمفتاح. وطلب أن تكون مكافأته بأن يكون أول من يدخل تلك البوابة.
واختار الهضبة وبدأ بناء المدينة المسحورة وكانت أول من دخلت البوابة الكبيرة هي الأسيرة التي كانت تمتطي حصاناً فتياً صغير السن. وهنا اكتشف بن حبوس أن المنجّم نجح في الاحتيال عليه. وأن بناء المدينة المسحورة والبوابة الكبيرة لم يكن سوى خدعة الهدف منها حصول المنجّم على الفتاة. فما كان من المنجم إلا أن أخذ الفتاة معه واختفى تحت الأرض و نبأ ابن حبوس عقاباً له بسقوط غرناطة حينما تضرب الريح “ديك الطقس” من جهة الجنوب الغربي بسبب عاصفة مدمرة.
تمر سنين طويلة، وفي اليوم الذي كان فيه أبو الحسن النصري يستعرض قواته وهو اليوم الأخير للعرض ضربت الريح “ديك الطقس” من جهة الجنوب الغربي، فتغير الجو فجأة وهبّت غمامة سوداء تحمل عواصف مدوية، ففاض نهر “حدارة” وغرق الكثير من الخلق والجند والزرع، مما جعل الضعف يدب في مملكة غرناطة ويُعجّل بسقوطها أمام الممالك النصرانية.
وأما الفتاة فهي لا تزال أسيرة في بطون الأرض مع المنجم العربي تعزف على قيتارتها ألحاناً عذبة وتغني بصوتها الساحر، لا يزال يسمع من حين لآخر في عمق الليل في المكان الذي انشقت فيه الأرض و اختفيا فيه…”.
تنتهي الأسطورة، حاملةً في طياتها الكثير من المعاني والصور عن سحر مكان وزمان يسلب الألباب.