أسرار وأساطير من قصر إشبيلية

أسرار وأساطير من قصر إشبيلية

لغرناطة كل الدفء الإسلامي، لقرطبة كل الحضارة والجمال، ولإشبيلية كل الرومانسيات والدلال.

هناك عدة أسباب قد تدفعك لزيارة المدينة: الإنغماس في جوهرها الأندلسي، في جو الوادي الكبير الهادئ والرومانسي، معايشة أحداثها ومناسباتها وأعيادها، تذوّق المطبخ الإشبيلي وكشف النقاب عن كنوز المدينة الفنية والتاريخية.

من بين أهم المعالم السياحية التي تجذب الزائر لإشبيلية، قصرها الموحدي. لا يمكن للزائر استنفاذ قائمة تفاصيله وأساطيره وما يخفيه من عجائب وأسرار في زيارة واحدة لذلك فقد تزوره لمرة واثنين وثلاث. القصر عبارة عن مجمع من القصور بُنيت في عصور مختلفة وبأساليب معمارية متعددة والغريب أنها تنسجم ببعضها البعض و تتعايش في وئام تام.

تحيط بالقصر هالة سحرية من الأساطير. إذ نشأت حوله مجموعة من الحكايا العجيبة لتشكل جزءًا من التراث غير المادي الغني للقصر ولإشبيلية بشكل عام. تستمد أساطير قصر إشبيلية جوهرها من وقائع تاريخية قامت الذاكرة الجماعية بتغييرها وتحويلها وتزيينها بشكل يثير المستمع ويثري الثقافة الشعبية الإشبيلية.

يروي كل جناح بالقصر أسطورة أو قصة أو حدث تاريخي مهم يعيد تعريفه من جديد ليحكي للزائر خبايا قد تكون أغنى بكثير من الأشياء التي تُرى بالعين المجردة. تختزن باحة الوصيفات، المكان الأكثر شهرة بالقصر والأكثر تصويراً، أسطورة قديمة مثيرة للفضول. ترجع الأسطورة سبب تسمية الباحة بباحة “الوصيفات” إلى أن حكام إشبيلية المسلمون اعتادوا طلب مائة عذراء نصرانية وكميات كبيرة من النقود من ممالك الشمال النصرانية بشكل دوري منتظم كضريبة سنوية.

يُجهل لحد الآن السبب الحقيقي وراء تسمية الباحة بهذا الإسم. المؤكد أن قصة عذارى الممالك النصرانية ليست سوى أسطورة شعبية من العصور الوسطى والتي تم نشرها لتبرير وللترويج لما سمي بحروب “الإسترداد” لدى الساكنة المسيحية. إننا أمام أسطورة تعليلية: حاول الإسبان عن طريقها، تعليل حروبهم ضد المسلمين. كما يمكن تصنيفها ضمن ما يسمى بالتاريخسطورة، أي تاريخ وخرافة معًا. وقد تصنف أيضا ضمن ما سمي حديثا بالأسطورة السياسية، التي تهتم بصناعة الأيديولوجيات التي تعتمد نشر الوعي الزائف.

10646878_600715876724882_8531825035573647729_n

باحة الوصيفات

 

ومن الأماكن التي غلفت بالأساطير الشعبية ما يسمى ب “حمامات ماريا دي باديلا” . الأمر لا يتعلق حقيقة بحمامات وإنما بصهريج عربي تحت أرضي. يُقال أن بيدرو ملك قشتالة عشق فتاة من النبلاء تسمى “ماريا دي باديلا” فحاول لفت انتباهها وإرضائها بأية طريقة. وعلى الرغم من كل محاولاته في جذب انتباهها إلا أنها تمنعت عنه و لم ترغب به ووصل بها اليأس إلى أن شوهت وجهها بزيت حام للتخلص منه.

قصة الحرق و التمنع ليست سوى أسطورة. كانت “ماريا دي باديلا” عشيقة الملك بيدرو وحبيبته الوحيدة. حيث ترك زوجته “بلانكا دي بوربون” بعد ثلاثة أيام من الزواج فقط ليعود لأحضانها. إذ عادة ما يعود المرء لحبيبته الأولى، لشقرائه.

أنجب منها ولد وثلاثة بنات. مرضت “ماريا دي باديلا” وماتت فبكاها بيدرو بشدة ولفترة طويلة. كانت عشق حياته الوحيد. تمتزج أسطورة “ماريا باديلا” بالصهريج العربي حيث قامت الذاكرة الجماعية بدمج الرموز بالخيال تلبية للرغبات النفسية والإنفعالات الداخلية .

Baños_de_Doña_María_de_Padilla_(2)

حمامات ماريا دي باديلا

 

ولفناء الدمى أيضًا تاريخه الخاص. يعتمد الفناء في زينته بالدرجة الأولى على أعمدة وتيجان أُخِذت جميعها من المدينة الزهراء. تختفي بين نقوشها وجوه بشرية صغيرة جدًا ودقيقة. يبلغ عدد النقوش التي تصور الوجوه البشرية تسعة نقوش. وهي مخفية بعناية ضمن باقي الزخرفات الجبسية. ويقال إذا عثر زائر الفناء على كل الدمى (الوجوه) دون تلقي أية مساعدة إرشادية سينعم بحظ وفير في أيامه المقبلة.

seville_097

نقش لوجه بشري من فناء الدمى

 

يختزن كل مكان بالقصر أساطير، خبايا وقصص. و ينطبق نفس الشيء على حدائق القصر التي تنطوي على أساطير وحكايا من ألف ليلة وليلة.

 

المواضيع ذات الصلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *